تبرعات وإشاعات واستثمارات سياسية
الجمل ـ طرطوس : صورة حشود المواطنين المتراصّة أمام كوّات الايداع في المصرف التجاري السوري لترص صفوف أهلنا في فلسطين و التي تغنت بها شاشة تلفزيوننا الرسمي وثالوث صحافتنا الرسمية , وهدير أسئلة الأهلين : ألم تتبرع بعد؟ بكم تبرعت؟خيمت على أجواء البلاد الاجتماعية..الحدث هو دعوة الدولة أبناءها المواطنين لمساعدة و دعم نضال الأخوة في فلسطين وفتح باب التبرع لهم.
في طرطوس والتي هي منجم للاشاعات والأقوال وقصص وحكايا مايدور "فوق" ويحكى في " كواليس النافذين", انتشرت حكايا وقصص التبرع ومزايدات البعض على البعض الاخر, وكأن الجميع كان حاضرا في جيوب والحسابات المصرفية لهؤلاء الأشخاص. أقوال وأقوال عن عبد الكريم خوندي صاحب شركة (القدموس) للنقل, وأبوعلي وهيب مرعي رئيس غرفة التجارة, ومدير شركة السعدي وكيل سيارات تويوتا ..وغيره وغيره من الناس..هناك من تبرع بخمسة ملايين ليرة سورية وآخر بثلاثة فقط وآخر بنسبة مئوية من مدخول شركاته,وآخر أحرج أعضاء غرفة التجارة واستفز "نخوتهم", ولم تسلم بعض الأسماء التاريخية والعائلية الثراء من النقد والمذمة بسبب بخلها وعدم التبرع بما يليق ومستواها المادي, منهم ملوك البحر والبواخر, منهم من أثرى من اشتغاله بالتخليص الجمركي والترانزيت وافتتاح مطعم فخم على البحر.
الحق يقال أن النقد وتسويد الأفعال والنيات ليس غايتنا خاصة تجاه بعض تلك الشخصيات وأهمها عبد الكريم خوندي الذي كان من الأوائل والسباقين في جلب قسم كبير من رأس ماله الى سوريا وأول من ارتقى بوسائل نقل وسفر المواطنين عبر شركته,ووفّر فرص العمل لأبناء محفظته طرطوس وغيرهم.
لكن يبقى الحدث مؤشرا صادقا على أحوال المجتمع السوري وأخلاقه.لم يكن للسلطة من فضل أو تأثير في ذلك التسابق والتدافع الشعبي لمساعدة فلسطين,تماما كما لم يكن لها عندما انتفض الشارع السوري غاضبا من الحملة والضغوط الدولية الأخيرة على بلاده ومدافعا عن وحدة أرضه وسلطته.
لكن الأمر يستدعي التوقف عند عفويتنا ومروءتنا البريئة التي تستغل وتوظف سياسيا بنجاح.
فالطبقة الواسعة الفقيرة المسحوقة من الشعب – والتي تبرعت بسخاء أيضا – انتابها الذهول أمام الملايين المكتنزة في البلاد والتي ذهبت خارجها وكانوا هم أولى بها ان بمشاريع أو فرص عمل أو حتى مساعدات!لقد رؤوا بأعينهم البرهان القاطع أن بلادهم هي الأغنى عربيا – كما أشرنا سابقا -.
يقول أحمد: أن الدولة أظهرت كرمها من "كيسنا" أي من أموالنا كالعادة لتسجل انتصارها السياسي وثبات موقفها الذي أدعمه بدوري,لكن اذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع.
أما شادي فكان أكثر براغماتية وموضوعية حسب قوله: أنا بصراحة لم أتبرع و كيف لي مساعدة غيري في غمرة جنون الأسعار وعصر الاستهلاك الذي ألهث ليل نهار لأجاريه ؟
من جهة أخرى سرت شائعات عن أن شركات الخلوي ستحتسب دقيقة الاتصال ب40 ليرة تذهب للتبرع! لكنها بقيت اشاعة كاذبة والحقيقة أن شركتي الخلوي أراحت المواطن أو المشترك من عناء الذهاب الى مراكز التبرع بالاكتفاء بالاتصال على رقم محدد يتبرع فيه بمبلغ50 ليرة مع امكانية الاتصال أكثر من مرة " انت وذوقك" وربما تكون هناك جائزة (أكرم مواطن) أو (الوطني الأكرم) لأكثر متصل..أو عفوا,متبرع.
حسان عمر القالش
إضافة تعليق جديد