واشنطن نحو إعادة ترسيم الخطوط الحمر: سيناريو ضربة «الشعيرات 2»
فرضت مجريات الميدان السوري خلال الأسابيع الأخيرة تحديات ــ من مستوى جديد ــ على الولايات المتحدة وحلفائها، وضعتها أمام عدد محدود من الخيارات على الأرض. فالجيش السوري وحلفاؤه، الذين لم توقفهم الغارات الأميركية حول التنف، وصلوا إلى الحدود العراقية ووسّعوا سيطرتهم في الأيام القليلة الماضية نحو نقاط متقدمة مجاورة لحدود دير الزور، مسقطين ذريعة الأميركي بدعم «فصائل البادية» في حربها ضد «داعش».
اليوم، تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى رفع هامش المخاطرة بالانزلاق إلى مواجهة أوسع، لتدارك اندفاعة دمشق وحلفائها، واضعة نصب عينيها الإبقاء على هدفها الاستراتيجي بحصار الدور الإيراني في سوريا وتحجيمه. ويشير التهديد الأميركي الجديد، الذي حمل صيغة حادة اللهجة ضد الجيش السوري والرئيس بشار الأسد، إلى أن واشنطن تنوي تعميق تدخلها العسكري، عبر دفعه بضربة «مؤثرة» على توازنات الميدان الحالية. كما بدا من تصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أن التصعيد موجه بالقدر نفسه إلى طهران وموسكو.
وفي الوقت نفسه، يبدو التحرك الأميركي كأنه نقطة ارتكاز لبناء «تحالف» جديد مع شركاء أوروبيين لشرعنة الاعتداءات المتكررة ضد الجيش السوري من جهة، وكمدخل للخروج من حالة الجمود التي دخلتها القوات الأميركية مع الفصائل التي ترعاها في منطقة التنف من جهة أخرى. فالتهديد الذي تم تبريره برصد «تحضيرات» يجريها الجيش لتنفيذ هجوم كيميائي، لقي أصداء أوروبية مباشرة، تمثّلت باستعداد «مبدئي» بريطاني للمضي قدماً مع واشنطن في أي تحرك عسكري «مبرر»، إلى جانب إعلان الرئاسة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون اتفق مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في اتصال هاتفي أمس، على العمل معاً على رد مشترك في حالة وقوع هجوم كيميائي في سوريا.
كما يتقاطع مع ما تشير إليه مصادر مطلعة، عن تحضير أوروبي لتصعيد واسع ضد دمشق، قد يجد طريقه إلى الميدان بالتوازي مع خروجه عبر المنابر الإعلامية والدولية. وهنا يجب الإشارة إلى ما خرج عن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفن دوغريك أمس، من إدانة «بأقوى العبارات» لأي استخدام محتمل للأسلحة الكيميائية في سوريا، والدعوة إلى محاسبة المتورطين في شنها، برغم تأكيده أن المنظمة الدولية «لا تريد التعليق على أمر لم يحدث بعد».
كذلك يأتي التصعيد في وقت تكتمل فيه التفاصيل التقنية لاتفاق مناطق تخفيف التصعيد الموقع في أستانا، والذي من شأنه إخراج مناطق مهمة لحلفاء واشنطن من دائرة العمل العسكري، كما في درعا. وبرغم أن روسيا دعت إلى انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاقية، بما يتيح لها المشاركة في أمن تلك المناطق، فإن التوتر الروسي ــ الأميركي وتوقف قناة التنسيق حول أمن العمليات الجوية، من شأنه استبعاد انضمام واشنطن إلى اتفاق تشارك فيه إيران كأحد الأطراف الضامنة.
وفيما تبقى سيناريوهات الضربات المتوقعة رهناً بحسابات أميركية تراعي الوجود الروسي في سوريا، فإن استهداف مراكز حساسة للجيش، أو مواقع استراتيجية له ولحلفائه على طول الجبهات المشتعلة، سيكون متوقعاً من واشنطن. ومن المحتمل أن يكون إبطاء تقدم القوات السورية وحلفائها نحو دير الزور، إحدى أهم الأولويات التي تستهدف تحقيقها أي غارة محتملة. وليس لزاماً أن يستهدف الأميركيون الخطوط الأمامية المتقدمة باتجاه دير الزور، بل يكفي تكرار سيناريو الضربات في الثردة ــ من حيث الموقع ــ في مواقع أخرى مثل محيط تدمر، لإشغال الجيش ومنع تثبيته لنقاط متقدمة في عمق البادية، ولا سيما أن واشنطن تبحث عن حلول بديلة للسيطرة على وادي الفرات، وقد تجدها عبر «قوات سوريا الديموقراطية»، التي لا ينفي المتحدث باسمها طلال سلو وجود مثل هذا الخيار. ويوضح أن قواته «سوف تعمل على قتال (داعش) في دير الزور بعد الانتهاء من معركة الرقة»، لافتاً إلى أن «التوجه نحو الدير هو قرار ستحكمه الظروف، ومتوقف على قرار القيادة العامة لـ(قسد)».
وجاء الإعلان الأميركي على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، الذي قال في بيان إن بلاده «رصدت استعدادات محتملة من قبل النظام السوري لشن هجوم كيميائي آخر قد يؤدي الى عملية قتل جماعية لمدنيين، بمن فيهم أطفال أبرياء». وأضاف أنه برغم أن «الولايات المتحدة موجودة في سوريا للقضاء على تنظيم (داعش)... ولكن إذا شن (الرئيس بشار) الأسد هجوماً جديداً يؤدي إلى عملية قتل جماعية باستخدام أسلحة كيميائية، فإنه وجيشه سيدفعان ثمناً باهظاً». وبدا لافتاً أن سبايسر أشار إلى أن الأنشطة التي رصدتها واشنطن «مماثلة للاستعدادات التي قام بها النظام قبل الهجوم الذي شنه بالسلاح الكيميائي في 4 نيسان».
وفي رد فعل مباشر على تلك التهديدات، اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن «هذه التهديدات ضد الحكومة السورية غير مقبولة»، مضيفاً أنه لا يعرف الأدلة التي تستند إليها واشنطن في اتهاماتها. وكانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، قد قالت في تغريدة لها على موقع «تويتر»، إن «أي هجوم جديد يستهدف المدنيين السوريين سيتحمل مسؤوليته الأسد، وكذلك روسيا وإيران اللتان ساعدتاه على قتل شعبه». وهو ما رد عليه الكرملين بأنه «إذا لم يحصل تحقيق، فإن اتهام الأسد غير ممكن وغير شرعي وغير عادل». من جانبه، حذّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من أن أي هجمات أميركية محتملة ستكون في خدمة تنظيم «داعش». بدوره، قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن بلاده مستعدة لأي تحرك أميركي عسكري، مضيفاً أنه «كما يحصل دائماً في الحرب، العمل العسكري لا بد أن يكون مبرراً وشرعياً. ولا بد أن يكون ضرورياً». وأوضح أنّ الولايات المتحدة تقوم وحدها برصد الوضع في سوريا، وأنها حتى الآن لم تتشارك مع الحكومة البريطانية المعلومات والأدلة بشأن الاستعدادات الخاصة بالهجوم المفترض.
وفي ما بدا أنه توضيح لتصريحات البيت الأبيض، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة، يعود إلى «نشاط مشبوه» تم رصده في قاعدة الشعيرات. وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس: «إننا نشير إلى طائرة محددة ومرأب محدد، نعرف أنهما مرتبطان باستخدام أسلحة كيميائية». ويتقاطع البيان الصادر عن «البنتاغون»، والذي أتى كأنه توضيح لتهديدات البيت الأبيض والسفيرة هيلي التي حملت لغة عامة غير محددة ودقيقة حول نوعية الهجمات وتفاصيل المعلومات التي تعتمد عليها واشنطن، مع ما رشح عن وجود تباين في وجهات النظر بين البيت الأبيض والبنتاغون، حول الخطوات التي يجب اتخاذها على الميدان في سوريا. وعلى خلاف ما كان الوضع عليه في زمن إدارة أوباما، يدفع عدد من مستشاري البيت الأبيض نحو تصعيد أكبر ضد الجيش السوري وحلفائه في سوريا، وخاصة طهران، في الوقت الذي يؤكد فيه البنتاغون ضرورة تفادي الصدام في الميدان. وفي هذا السياق، أعلن وزير الدفاع جايمس ماتيس، أن بلاده «ترفض بكل بساطة أن يتم زجها في النزاع السوري، الذي تحاول وضع حد له من خلال الجهود الدبلوماسية». وأضاف قبيل تصريحات البيت الأبيض أن القوات الأميركية لن تفتح النار «إلا إذا واجهت العدو. أي تنظيم (داعش)».
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد