«طوق حلب» تحت الاختبار... المسلحون يفتحون معركةً «مصيرية»
دخل «طوق حلب» أمس اختباره الناري الأوّل. معارك ضاريّة شنّتها فصائل «جيش الفتح» على مختلف الجبهات، وبزخمٍ كبير يبدو طبيعيّاً قياساً بحجم الأهداف المتوخّاة.
الهجمات التي انطلقت من محاور عدّة امتدّت على طول يقارب 20 كيلومتراً وفقاً لأحد الناطقين باسم «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» ابتداءً من قرية السابقيّة (ريف حلب الجنوبي) وصولاً إلى مدرسة الحكمة المقابلة لمنطقتي الراشدين الرابعة والخامسة. الرّاموسة، بوّابة حلب الجنوبيّة هي الهدف الأساسيّ للمرحلة الأولى من الهجوم، بحثاً عن اختراق يلغي مفاعيل الطوق الذي ضربه الجيش السوري وحلفاؤه على الأحياء الشرقيّة الخاضعة لسيطرة المسلّحين قبل أيّام. ولا يُعتبر اختيار هذا الهدف مفاجئاً، نتيجة عوامل عدّة من بينها أنّ المحاور الجنوبيّة هي الأمثل لانطلاق المجموعات (بسبب احتفاظها بتماسكها على هذه المحاور)، علاوةً على الدعم الذي أتاحته انطلاقةٌ متزامنة عبر المحاور الغربيّة (الراشدين). وأسهم تثبيت الجيش السوري السريع لنقاط سيطرته على المحاور الشماليّة للمدينة في تحويل بوصلة الهجوم نحو المحورين الجنوبي والغربي. المعارك التي اندلعت مساء أمس دُشّنت بالسلاح الذي بات تقليديّاً (الهجمات الانتحاريّة) وتلتها هجماتٌ على شكل «موجات» متلاحقة وبشكل متزامن على غير محور.
ويبدو أن «جبهة فتح الشام» (النصرة) وشركاءها قد اختاروا العمل وفق أسلوب مشابه لأسلوب «تشتيت الجبهات» الذي اعتمده الجيش في عملية تطويق حلب. ومن المُلاحظ أن «حركة أحرار الشّام الإسلامية» قد سجّلت عودة قويّة إلى الميدان الحلبي، بعد أن اتّسمت مشاركتها في معارك «الطوق» بحضور رمزي. وعلى نحو مشابه دخل «الحزب الإسلامي التركستاني» معارك حلب الأخيرة، ومن المعروف أنّ مقاتلي «التركستاني» متخصصون في المعارك الهجوميّة، مقابل شبه امتناع عن المشاركة في المعارك الدفاعيّة. وتكتسب مشاركة المجموعتين المذكورتين أبعاداً تتجاوز ساحة المعارك، فهما محسوبتان بشكل أساسي على الأذرع التركية. في الوقت نفسه بدا لافتاً أنّ خطوط التماس الداخليّة التي تصل بين شطري المدينة لم تشهد تحرّكاً يُذكر من قبل المجموعات المُحاصرة في الأحياء الشرقيّة، خلافاً لما جرت العادة في المعارك التي سبق وشنّتها المجموعات على المحاور الخارجيّة، والتي عادةً ما تتزامن مع أخرى على المحاور الداخليّة. ويبدو من المبكر الحكم على أسباب هذا التغير ودوافعه.
كما أنّ الجزم بنتيجة نهائيّة للهجوم المفتوح يبدو سابقاً لأوانه، نظراً لاتساع رقعة الاشتباكات وتعدد محاورها. وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم كانت المعارك قد أسفرت عن نجاح مجموعات «جيش الفتح» في الوصول إلى مدرسة الحكمة بعد تفجيرين انتحاريين متتاليين، تلتهما اشتباكات بين المشاة وجهاً لوجه، ما أدّى إلى تحييد سلاح الطيران. أمّا على محور الحمدانية، فقد وصلت المعارك العنيفة إلى مشروع الـ«1070» شقّة، ما أدّى إلى نزوح السكّان (وهم في الأساس نازحون من مناطق أخرى، أقاموا في المجمعات السكنية للحي رغم عدم اكتمال إنشائها). وافترش معظم النازحين العراء في حي الفرقان (أحد الأحياء الغربيّة للمدينة) في انتظار الصباح. وترافقت الهجمات مع استهداف حي الحمدانية السّكني المترامي الأطراف بالصواريخ، ومدافع «جهنّم». ورغم التأكيدات «الإعلامية» التي ساقتها مواقع المعارضة والوسائل الإعلاميّة المؤيّدة لها حول سيطرة «جيش الفتح» على الحي المذكور، غير أن مصادر ميدانيّة سوريّة أكّدت أنّ المعارك في المنطقة ما زالت في طور الكر والفر (حتى الثانية من فجر اليوم)، وسط تدخّل (متأخر) لسلاح الطيران. وجرياً على العادة، ترافقت المعارك مع ضخّ إعلامي متزايد كثّف خلاله «ناشطو المعارضة» وبعض الوسائل الإعلاميّة بث الأنباء عن سيطرات متتالية، واختراقات كبيرة «حقّقتها فصائل المعارضة داخل مناطق النظام».
وتكتسب «معركة فك حصار حلب» أهمية استثنائيّة لطرفي المعركة، فهي بالنسبة إلى الجيش السوري وحلفائه تُمثّل أوّل (وأخطر) اختبار حقيقي للطوق المضروب حديثاً. كما أنّ المحاور التي شُنّت الهجمات عبرها كفيلة بوضع الأحياء الغربيّة (الخاضعة لسيطرة الدولة السوريّة) في قلب النّار في حال نجاح المجموعات في تحقيق اختراق فعلي وتثبيت نقاط سيطرة. وعلى المقلب الآخر، تبدو أهميّة المعركة أكبر بالنسبة للمجموعات المسلّحة وداعميها. فعلاوةً على ما يُمثّله نجاح المجموعات في تحقيق كسر سريع لـ«الطوق» من إنهاء لحصار مسلّحي الأحياء الشرقيّة قبل أن تتظهّر مفاعيله فعليّاً على الأرض، يبدو الهجوم الأخير بمثابة فرصة «أخيرة» للتوازن، واستعادة الثقة بالنفس و«رصّ الصفوف» بعد أن أسهمت الهزائم الأخيرة في تشتيتها. في الوقت نفسه، من شأن إخفاق الهجوم في تحقيق أهدافه أن يؤدّي إلى نتائج معاكسة تماماً، سواء من الناحية المعنوية، أو العسكرية، خاصّة أنّ المعركة تُعتبر بمثابة «اختبار أوّل» لمدى قدرة المجموعات على الانسجام بعد أن أقدمت «النصرة» على خطوة «فك الارتباط» الذي كان واحداً من «أسباب فشل توحيد الجهود» وفقاً لبعض شركائها.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد