رمضان خامس على اختراق حلب.. هل بزغ فجر «العيد»؟

09-07-2016

رمضان خامس على اختراق حلب.. هل بزغ فجر «العيد»؟

يعيشُ أبناءُ مدينة حلب هذه الأيام نشوة «عيدٍ» خاصة، لم تعشها المدينة منذ اختراق المسلحين لأحياء المدينة قبل أربعة أعوام، وتحديداً في شهر رمضان من العام 2012، خصوصاً بعدما أتّم الجيش السوري والفصائل التي تؤازره طوقاً عسكرياً يحيط بالمدينة، ويعزل مسلحي الداخل عن الريف المفتوح على تركيا، بعد سيطرة الجيش السوري على طريق الكاستيلو الذي كان يمثل المنفذ الأخير للفصائل المسلحة من الشمال إلى قلب حلب.أطفال يلهون داخل متجر مهجور في درعا (رويترز)
في العشرين من شهر تموز عام 2012، استفاق أهالي مدينة حلب على حربٍ اخترقت مدينتهم، شوارعهم ومنازلهم. كانت الصدمة والدهشة سيدة الموقف، مجموعةٌ كبيرة من المسلحين القادمين من الريف الشمالي القريب من تركيا، بدأت تخترق الأحياء الشرقية للمدينة، لتسقط تلك الأحياء بشكل متتال ضمن ما أطلق عليها حينها اسم «معركة الفرقان»، بقيادة مباشرة من جماعة «الإخوان المسلمين» التي تمكنت من إنشاء ذراع عسكرية قوية في الشمال السوري أطلق عليها حينها اسم «لواء التوحيد»، لتتحول المدينة بشكل تدريجي إلى ساحة حرب التهمت معظم تاريخ المدينة المسجلة في منظمة «اليونيسكو» ضمن التراث الإنساني، ودمّرت قوامها الاقتصادي لتفقد صفتها كـ «عاصمة اقتصادية لسوريا»، بالإضافة إلى تهجير معظم سكانها.
في بداية «حرب حلب»، كما يفضل الكثير من أبناء المدينة تسميتها، أُلقي باللوم بشكل مباشر على رئيس فرع الأمن العسكري السابق في حلب محمد المفلح، الذي ساهم بتحشيد المسلحين في حي صلاح الدين غرب المدينة، وفتح أبواب المدينة للمسلحين القادمين من الشمال، قبل أن يحاول الفرار إلى تركيا ويُقتل قرب الحدود، إلا أن السنوات الخمس التي عاشتها المدينة غيّرت الكثير من قناعات سكانها، فلم يعد المفلح وحده مسؤولاً عما آلت إليه الأوضاع، فقد كان مجرد أداة لمخططٍ كبير رسمته دول عدة مستفيدة للمدينة، أبرزها تركيا، المستفيد الأكبر مما جرى.
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية محمد كمال الجفا  أن «متابعة الأحداث المتعاقبة التي شهدتها المدينة تؤكد أن ما جرى ليس مجرد عمليات تخريب أو ثورة جياع أو فلتان أمني سمح بتدمير المدينة، وإنما هو مخطط كبير رسم لحلب، بدأ باختراق المدينة والسيطرة على محيطها، تلاه عمليات تخريب للمنشآت الحكومية الكبيرة، والسيطرة على أهم البنى التحتية والمنشآت الخدمية، كمحطة المياه في حي سليمان الحلبي ومحطات تحويل الكهرباء ومطاحن القمح ومخازن الحبوب، وصولاً إلى ضرب قوام المدينة عبر استهداف وسرقة وتخريب المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد المدينة، كل ذلك جرى بهدف إخضاعها».
بعد سقوط أحياء حلب الشرقية، انقسمت المدينة إلى قسمين، الأول تسيطر عليه القوات الحكومية ويقع في الجزء الغربي لحلب، والآخر تتقاسم السيطرة عليه الفصائل المسلحة، وبين هذين القسمين تقع نحو 20 في المئة من المباني السكنية في حلب التي كان يقطنها نحو خمسة ملايين نسمة في ما يسمى «خط النار»، والذي يبلغ طوله نحو 80 كيلومتراً، ويمثل المناطق الأكثر تضرراً بالحرب في حلب.
من جهته، يشير المحامي والباحث علاء السيد  إلى أنه «لم يحقق دخول المسلحين المدينة أي نتائج ايجابية بالنسبة للمدنيين، الموالين منهم او المعارضين»، معتبراً أن «النتائج كانت سلبية بالكامل، فقد تدمرت أسواق المدينة الرئيسية، والحركتين التجارية والصناعية بالكامل، لمدينةٍ عمادُ حياتها قائم على التجارة والصناعة وليس على الوظائف العامة، كذلك خسر معظم الناس املاكهم من مساكن ومحلات ومقتنيات شخصية بعد النزوح، واستهلكت سنوات البطالة التي تلت دمار الحياة الاقتصادية كامل المدخرات الشخصية إن وجدت اصلاً». ويشير السيد إلى أن «نحو سبعين في المئة من سكان المدينة هاجروا، فانخفض عدد سكانها من اربعة ملايين نسمة الى حوالي مليون ونصف، سواء جراء الهجرة الداخلية او خارج القطر، كما تدمرت آثار المدينة القديمة وأوابدها التي لا تعوض ولا تقدر بثمن وماتت روح المدينة القديمة».
بشكل كبير، ماتت الحياة المدنية في مدينة حلب بشقيها، وأصبحت العسكرة سمتها، في حين بدا الفرق واضحاً بين قسمي المدينة في ثبات توجه القسم الغربي الذي يسيطر عليه الجيش السوري، وتقلبات السيطرة في قسمها الشرقي الذي تناوبت عليه فصائل عدة، أبرزها تنظيم «داعش» قبل أن يطرد منها، وصولاً إلى «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام» بعدما ذابت واضمحلت معظم الفصائل المحلية الصغيرة وحتى الكبيرة التي اخترقت المدينة (لواء التوحيد مثلاً).
وخلال الأعوام الثلاثة على اختراق حلب، شهدت أحياء حلب الشرقية حركات هجرة ونزوح بشكل كبير سواء بسبب عمليات قصف الجيش السوري لمواقع الفصائل المسلحة أو بسبب الاقتتال الداخلي بين تلك الفصائل ضمن عمليات الالتهام وفرض السيطرة، في حين عانى أبناء القسم الغربي من حصارين خانقين استهلكا سكان هذه الأحياء فرضته الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى مئات آلاف القذائف الصاروخية التي طالت الأحياء المكتظة بالسكان. خلال هذه الفترة، اتسمت تحركات الجيش السوري بـ «ردة الفعل»، التي عملت على تحصين المواقع، ومعالجة الأزمات التي فرضتها الفصائل على مدينة حلب، ففتح نهاية شهر أيلول من العام 2013 طريق خناصر الذي فك الحصار عن المدينة ووصل حلب التي كانت معزولة ببقية المحافظات السورية عبر حماة، كما قام بتنفيذ عمليات عدة استهدفت التمدد شمالاً والسيطرة على المدينة الصناعية في الشيخ نجار (تموز 2014) بهدف إنعاش المدينة وتحريك عجلتها الاقتصادية.
ودخلت حلب في توازنات سياسية عديدة أحبطت الكثير من العمليات العسكرية وأوقفت بعضها، قبل أن تبدأ عملية عسكرية تهدف إلى تشكيل طوق عسكري يحيط في المدينة ويعزل مسلحي أحياء حلب الداخلية عن الريف المفتوح على تركيا، لتدخل هذه المعركة بدورها في زواريب التفاهمات السياسية وتمتد على مدار عامين كاملين، تخللهما عشرات العمليات العسكرية وعمليات صدّ وردّ، لتكلل هذه العمليات في شهر شباط الماضي بفك الحصار الذي كان مفروضاً على قريتي نبل والزهراء شمال حلب، ضمن سلسلة عمليات شهدتها مدينة حلب وأريافها الشرقية التي شهدت فك الحصار عن مطار «كويرس» نهاية العام 2015، والغربية والجنوبية التي تمددت فيها قوات الجيش السوري وباتت تشرف على طريق حلب ـ إدلب الدولي، إلا أن هذه العمليات غابت عنها «اللمسة الأخيرة» التي تتمثل بقطع جميع الطرق عن مسلحي الداخل، حيث ظل طريق الكاستيلو يشكل طريق إمداد دائم للفصائل المسلحة داخل حلب، لتأتي «البشرى» لأبنائها بقطع هذا الطريق أخيراً ثاني أيام عيد الفطر.
لا يمكن احصاء خسائر المدينة خلال السنوات الخمس الماضية. بعض التقديرات تشير إلى أن الخسائر الاقتصادية قد تصل الى 250 مليار دولار، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في البنية التحتية للمدينة والخسائر الأثرية التي لا يمكن تقديرها بثمن، يضاف إليها النزيف الكبير في موارد المدينة البشرية والتي تمثل تركيا الطرف الأكثر استفادة منها عبر استقبالها أكثر من 750 الف عامل ومهني متقن للصناعة ومتمرن يتم تشغيلهم مقابل اجور تقل عن ربع الأجور التي يتقاضاها العمال الأتراك. رغم ذلك، لا يبدي من تبقى من أبناء حلب تفاؤلهم بمستقبل كبير للمدينة، وقدرة على النهوض خلال زمن قياسي في حال تم تأمين المدينة، وتم إخراج المسلحين، بعد حصارهم داخل احياء حلب، وفق ما هو مرسوم، وإيجاد النية السياسية والخدماتية الفعلية لإحياء عاصمة سوريا الاقتصادية.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...