دلالات الإنزال الأميركي في دير الزور

18-05-2015

دلالات الإنزال الأميركي في دير الزور

تطرح عملية الإنزال التي نفّذتها وحدة كوماندوس من «قوة دلتا» الأميركية، فجر أمس الأول، في مدينة دير الزور في شرق سوريا تساؤلات عدة حول دلالة هذه العملية، وعما إذا كانت إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العمليات الأميركية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» فوق الأراضي السورية، وذلك رغم أن ملابسات العملية، وغموض المعلومات حول القيادي المستهدَف، دفع البعض إلى الحديث عن فشل العملية وعدم تحقيقها الهدف الحقيقيّ منها.
وتأتي دلالة العملية في أنها قد تكون بداية مرحلة جديدة من العمليات العسكرية الأميركية ضد «الدولة الإسلامية» فوق الأراضي السورية، حيث إنها أول عملية إنزال لا يكون الهدف منها تحرير رهائن وإنما اعتقال أو قتل قيادات من «داعش»، حيث أن كلاً من محاولتي الإنزال اللتين حدثتا منتصف العام الماضي في محافظة الرقة كان الهدف منهما تحرير رهائن أميركيين وبريطانيين، وقد باءت كلتا المحاولتين حينها بالفشل.
غير أن الغموض الذي ما زال يلفّ العملية الأخيرة، وحقيقة الشخص القياديّ الذي كان مستهدَفاً فيها، يجعل من المبكر الركون إلى هذا الاستنتاج، لأن النتيجة المعلَنة عن العملية قد تكون مجرد محاولة أميركية لإخفاء فشل جديد تعرّضت له.
إلى ذلك، تمكّنت القوات السورية من استعادة المناطق التي سيطر عليها «داعش» في مدينة تدمر الأثرية وسط سوريا بعد اشتباكات عنيفة يعتقد أنها أدّت الى سقوط مئات القتلى. وطردت القوات السورية عناصر التنظيم من التلة المطلة على المدينة وبرج الإذاعة والتلفزيون في شمال غرب المدينة، بالإضافة إلى حاجز الست عند مدخل المدينة.
وتمخّضت عملية الإنزال النوعية، كما وصفتها وزارة الدفاع الأميركية، عن قتل «أبو سياف» واعتقال زوجته «أم سياف». وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض برناديت ميهان إن الغارة في سوريا نفّذت «بموافقة السلطات العراقية الكاملة»، لكنها أشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تبلغ الرئيس السوري بشار الأسد مسبقاً بالعملية ولم تنسّق مع دمشق.
وبرغم أن هذه العملية انطلقت بأمر مباشر من الرئيس الأميركي باراك أوباما، بناءً على توصية أجمع عليها طاقمه للأمن القومي، الأمر الذي يدلّ على أهمية الشخص المستهدَف، إلا أن هوية أبو سياف وجنسيته وحقيقة منصبه بقيت طي الكتمان، واكتفى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بالقول إن أبا سياف «أحد المشاركين في العمليات العسكرية لتنظيم داعش، كما كان له دور في إدارة العمليات المالية للتنظيم». ووصف العملية بأنها «صفعة قوية للتنظيم الإرهابي»، ومع ذلك لم يجد المسؤولون الأميركيون حاجة إلى الإعلان عن تفاصيل هوية أبو سياف لإثبات «قوة الصفعة» التي وجّهتها قواتهم إلى «داعش».
ونتيجة ذلك تضاربت الأنباء حول «أبو سياف» وهويته وجنسيته، فشبكة «سي أن أن» نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى أن أبي سياف يحمل الجنسية التونسية، وأنه «تمّ إبلاغ السلطات التونسية بشأن العملية». في المقابل أكدت وسائل إعلام عربية أن أبي سياف هو نبيل صديق الجبوري عراقي الجنسية من منطقة القيارة في محافظة نينوى، واصفةً إياه بأنه «وزير النفط في تنظيم داعش» ويُعرف أيضاً بلقب أبو سياف الأميركي، ويعتقد أنه مقرّب من زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي.
وقد أدّى هذا التضارب إلى إثارة الشكوك حول العملية، وعمّا إذا كانت تمثل بالفعل الأهمية التي تحدّث عنها كارتر، خاصةً أنه لا صحة لما أشيع حول تولي نبيل الجبوري منصب وزير النفط لدى «داعش»، بل هو يشغل منصباً إدارياً من الدرجة الثالثة فقط، وبالتالي لا أهمية لمقتله في حال كان هو المستهدَف.
ويبقى هناك احتمال واحد قد يؤدي في حال تحققه إلى إعادة الاعتبار لعملية الإنزال ومنحها أهمية كبيرة بالنسبة للجانب الأميركي على الأقل. وهذا الاحتمال هو أن يكون أبو سياف الذي أكد المسؤول الأميركي الرفيع أنه يحمل الجنسية التونسية (وليس العراقية) هو نفسه الإرهابي التونسي الذي سبق للولايات المتحدة أن رصدت ثلاثة ملايين دولار مكافأة مالية لمن يساعد في إلقاء القبض عليه، والمقصود طارق الطاهر الحرزي الذي أضافته وزارة الخزنة الأميركية إلى قائمة الإرهابيين الخطرين عالمياً في العام 2014.
ويمتاز الحرزي في أنه كان يقوم بمهمة «ضابط الارتباط المالي» بين «الدولة الإسلامية» من جهة وبين الداعمين الخليجيين، وخاصة القطريين من جهة ثانية، حيث وجّهت إليه اتهامات بتلقي أموال خليجية لاستخدامها في العمليات العسكرية. وذكرت الاتهامات أنه تمكّن من جمع مليوني دولار من جهة تمويل قطرية لم يكشف عن هويتها. وبحسب المعلومات المتوافرة عنه فقد كان يشغل أيضاً منصب «أمير الحدود بين سوريا وتركيا»، حيث لعب دوراً بارزاً في تسهيل حركة «الجهاديين الغربيين» من تركيا وإليها.
غير أن الأهمية الكبيرة لأبي سياف، والتي قد تعني الكثير للأميركيين بشكل خاص، هي أنه شقيق علي الحرزي المتهم الأساسي بقتل السفير الأميركي في ليبيا قبل عامين، والذي دخل إلى سوريا بعد أن أفرج عنه القضاء التونسي في خطوة ما زالت تثير الكثير من علامات الاستفهام.
وطارق الحرزي من مواليد العام 1982 قدم إلى العراق منذ العام 2003 للقتال تحت راية أبي مصعب الزرقاوي، وسرعان ما انتهى به الأمر إلى سجن كروبر في العام 2004، حيث بقي فيه حتى العام 2008 لينقل بعدها إلى سجن تسفيرات تكريت، حيث تمكّن من الهروب في أيلول من العام 2012 جراء الهجوم الذي شنّه «داعش» على السجن في ذلك الوقت.
لكن الغريب هو تكتّم السلطات الأميركية عن هذه المعلومات وعدم إفصاحها عن الهوية الحقيقية للقيادي الذي استهدفته في عملية الإنزال فوق حقل العمر النفطي، رغم الأهمية الكبيرة التي تعكسها المعطيات السابقة والتي من شأنها أن تثبت بالفعل أن قتله كان «صفعة قوية للتنظيم الإرهابي». فهل سبب هذا التكتم يعود إلى أن السلطات الأميركية غير متأكدة من هوية الشخص الذي قتلته، أم أنها غير واثقة من أن أبي سياف قد قتل ولديها شكوك في أن يكون قد أصيب فقط؟
 بدوره تكتم «الدولة الإسلامية» على الحادثة ورفض إصدار أي بيان رسمي بخصوصها، لا تأكيداً ولا نفياً، وهو ما زاد من الغموض حول العملية ونتيجتها. غير أن مصدراً محلياً من دير الزور على علاقة عمل مع حقل العمر أكد لـ «السفير» أن المستهدَف في عملية الإنزال هو التونسي طارق الحرزي، من دون أن يؤكد مقتله أو إصابته، لكنه جَزَم أن المرأة التي اختطفتها القوات الأميركية ليست زوجة أبي سياف، وإنما هي واحدة من سباياه، ليبقى الغموض سيدَ الموقف حول هذه العملية.

عبد الله سليمان علي 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...