متى يفهم الأميركيون؟

13-01-2014

متى يفهم الأميركيون؟

الجمل- *لورانس ويتنير- ترجمة رنده القاسم:
عندما يتعلق الأمر بالحرب ، يغدو الشعب الأميركي متقلبا بشكل ملحوظ. و الدليل على ذلك هو تجاوب الأميركيين مع حربي العراق و أفغانستان . ففي عام 2003، و وفقا لاستطلاع للرأي ، كان 72% من الأميركيين يعتقدون أن الذهاب للحرب هو القرار الصائب، و لكن مع بداية 2013 انحدر الدعم لهذا القرار الى 41%. و كذلك في تشرين الأول 2001 ، مع بدء العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان وصل دعم الشعب الأميركي  الى 90%، و مع حلول كانون الأول 2013 انخفضت النسبة الى 17%.
و في الواقع، هذا الانحدار في الدعم الشعبي، لما كان يوما حروبا مدعوة شعبيا، ظاهرة طويلة الأمد. و على الرغم من أن الحرب العالمية الأولى كانت قبل استطلاعات الرأي، فان المراقبين تحدثوا عن حماس كبير لدخول الولايات المتحدة في الصراع في نيسان 1917، و لكن بعد الحرب، اختفت الحماسه. و في عام 1937، عندما سأل منظمو الاستفتاءات الأميركيين فيما اذا كان ينبغي على الولايات المتحدة المشاركة في حرب عالميه أخرى كانت 95% من الاجابات "لا".
و كذلك كان الحال عندما أرسل الرئيس ترومان جنودا أميركيين الى كوريا في حزيران 1950، اذ عبر 78 % من الأميركيين في استطلاعات الرأي عن موافقتهم، و مع حلول شباط 1952 ، و وفقا للاستطلاعات أيضا، كان 50% من الأميركيين يؤمنون أن  تدخل الولايات المتحدة في الحرب الكورية خطأ. و الظاهرة ذاتها تكررت مع حرب فيتنام ، ففي آب 1965، عندما سؤل الأميركيون ما اذا كانت حكومتهم ارتكبت خطأ بإرسالها جنودا للقتال في فيتنام، أجاب 61% منهم ب "لا"، وفي آب 1968 انحدر الدعم للحرب الى 35% ليصل الى 28%  في أيار 1971.
من بين كل الحروب الأميركية في القرن الماضي، وحدها الحرب العالمية الثانية من احتفظت بدعم شعبي كبير، و لكن تقريبا في معظم الحالات انقلب الأميركيون ضد الحروب التي دعموها يوما، و كيف يمكن للمرء تفسير هذه الأمثلة عن التحرر من الوهم؟؟؟
يبدو أن الأسباب الرئيسية تكمن في الكلفة الباهظة لهذه الحروب في الأرواح و المصادر. فخلال الحربين الكورية و الفيتناميه، و مع بدء عودة أكياس الموتى و الجنود المقعدين الى الولايات المتحدة بأعداد كبيرة، انخفض الدعم الشعبي بشكل ملحوظ. و رغم أن الحربين الأفغانية و العراقية أسفرتا عن إصابات أميركية أقل، فان الخسائر الاقتصادية كانت هائلة. و قدرت دراستان حديثتان أن هاتين الحربين ستكلفا دافعي الضرائب الأميركيين ما بين 4 الى 6 مليار دولار. و نتيجة لذلك فان معظم نفقات الحكومة الأميركية لن تذهب بعد الآن الى التعليم و الرعاية الصحية و الحدائق و البنى التحتية بل ستقوم بتغطية نفقات الحرب، و ليس من المفاجئ غضب الأميركيين من هذه الصراعات.
و لكن اذا كان العبء الثقيل للحرب قد حرر الكثير من الأميركيين من الوهم، لماذا يسهل خداعهم لدعم حروب جديدة؟
يبدو أن السبب الرئيسي يكمن في أن مؤسسات صياغة الرأي الفعاله (وسائل الاتصال الجماهيرية، الحكومة، الأحزاب السياسية بل و حتى التعليم) واقعة بشكل او بآخر تحت سيطرة الصناعة العسكرية ، و مع بداية أي صراع، عادة تكون هذه المؤسسات قادرة على الحصول على رايات مرفرفه و فرق موسيقية  و جمهور يهتف لأجل الحرب.
و لكن من الحقيقي أيضا أن الكثير من الشعب الأميركي يسهل خداعه و على الأقل في البداية يكون مستعدا تماما لرفع رايات الحرب. و بلا ريب،  الكثير من الأميركيين وطنيين و يتجاوبون سريعا مع النداءات المغالية في وطنيتها. و الدعامة الرئيسية في الخطابات السياسية الأميركية هي الادعاء المقدس أن "أميركا هي أعظم  أمه في العالم"، و هو الذي كان الحافز الأكثر فاعلية لأجل عمليات عسكرية أميركية ضد دول أخرى و يضاف الى هذا اجلال كبير للسلاح و لجنود الولايات المتحدة الأميركية.
و بالطبع هناك مجتمعات أميركية لدعم السلام شكلت منظمات سلام طويلة الأمد مثل نشاط السلام، أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، عصبة النساء الدولية من أجل السلام و الحرية، و مجموعات أخرى معادية للحرب. و غالبا ما عملت هذه المجموعات السلمية بدافع من مبادئ سياسية و أخلاقية، مشكلة بذلك قوة رئيسية خلف المعارضة لحروب الولايات المتحدة في مراحلها المبكرة.غير انها تواجه بمتحمسين قاسيين للعمل العسكري مستعدين لتشجيع الحروب حتى آخر أميركي. القوة المتغيرة في استطلاعات الرأي الأميركية تتمثل في العدد الكبير من الناس الذين يلتفون حول راية الحرب في البداية ، ثم و تدريجيا يصابون بالسأم من الصراع.
و بالتأكيد ستكون خيبة الأمل أقل و ستتم حماية الكثير من الأرواح و المصادر اذا أدرك المزيد من الأميركيين النفقات الرهيبة للحرب قبل اندفاعهم لمناصرتها، غير ان فهم أوضح للحرب و تبعاتها سيكون بالتأكيد ضروريا لإقناع الأميركيين من أجل الخروج من المصيدة التي وقعوا بها.


*كاتب أميركي و  بروفيسور  في التاريخ
تُرجم عن موقع Information Clearing House

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...