سباق التسلح في لبنان
على اختلاف التباينات السياسية بين اللبنانيين، موقف موحد يسود اليوم مختلف الفئات اللبنانية، وهو الترقب والحذر فبعد أن بلغ مستوى الاصطفاف السياسي بين فريقي الحكومة والمعارضة حد المواجهة، التي بات اللبنانيون يتعاملون معها وكأنها استحقاق لا مفر منه، نجحت الحرب النفسية في السيطرة على أجواء البلاد وشل الحركة فيها، لا سيما بعد تناقل شائعات وأقاويل تتحدث عن قيام مجموعات سياسية معينة ذات طابع طائفي بتسليح أنصارها وبتخزين الأسلحة وتوزيعها على الأفراد. وقد غذت هذه الشائعات تصريحات ومواقف ساهمت في تعزيز أرجحيتها، في الوقت الذي يتهم فيه كل فريق الفريق الآخر بالسعي لافتعال فتنة. وكلما سألت شخصا في لبنان، مهما كان انتماؤه عن الوضع، يجيبك بـ"إنه متأزم جدا"، و"إن الجميع يتسلحون".
وعندما تسأل عن التفاصيل، يأتيك الجواب:" لا أعرف، ولكن الجميع يقول ذلك، ولابد أنه صحيح."
في هذا الإطار، يقول عضو "المكتب السياسي" لـ"حزب الله" "غالب أبو زينب" إن "الحديث عن موضوع توزيع السلاح على الأفراد في أكثر من منطقة بشكل كبير يتم تداوله في الأروقة السياسية". ويشير إلى أن أحاديث كثيرة يتم تناقلها في هذا الإطار قائلا:" لكن الشيء المؤكد هو أن هناك حركة تسلح."
ويحمل "أبو زينب" على وزير الداخلية بالوكالة "محمد فتفت" الذي أقر أثناء توليه مهام وزارة الداخلية "أن هناك تسلحا لعدة أطراف"، ووضع " أبو زينب" كلام الوزير في "إطار تشريع حمل السلاح."
من جانبه اعتبر "فتفت" أنه كان يقصد في حديثه "السلاح الموجود بيد "حزب الله"، والسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات في لبنان".
يذكر في هذا الإطار أن جلسات الحوار التي عقدها القادة اللبنانيون أفضت قبل حرب تموز/يوليو الماضي، التي شنتها إسرائيل على لبنان، إلى اتفاق على نزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات، إلا أنه لم تتخذ أي خطوة في هذا الصدد.
وإضافة إلى سلاح المخيمات، تحدث "فتفت" عما أسماه "عرفا لبنانيا باقتناء السلاح"، وأكد على "وجوب القضاء على السلاح"، لكنه أشار إلى أن "معالجة الموضوع تأتي في إطار المعالجة الشاملة لكل السلاح الموجود في البلاد"، على حد قوله.
ويشكل موضوع سلاح "حزب الله" أحد أبرز المسائل الشائكة في الأزمة اللبنانية. إلا أن أبو زينب يشير إلى أن هذا السلاح،" وبالرغم من أن هناك اختلافا عليه، غير أنه مغطى بالبيان الوزاري للحكومة الجالية، وأن الهدف منه استخدامه ضد إسرائيل."
وفي الإطار ذاته تحدث "جبران باسيل" القيادي في "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه "ميشال عون"، المتحالف مع "حزب الله"، قائلا "إن معالجة سلاح حزب الله لا تـُحلّ عبر اقتناء فرقاء آخرين للسلاح، كما يشاع". وأشار "جبران باسيل" إلى أن "أي استخدام خاطئ لسلاح حزب الله في الداخل، سيدفع ثمنه حزب الله في الدرجة الأولى".
وربط "باسيل" بين الاستقرار السياسي والاستقرار الأمني، محملا الحكومة "مسؤولية تضخيم حالة الخوف لتعطيل الحركة الشعبية".
وقد زاد من حدة هذه الإشاعات اعتقال القوى الأمنية لمجموعة كانت تقوم مؤخرا بتدريبات عسكرية في منطقة "كسروان"، أشارت أنباء إلى أنها تنتمي إلى "القوات اللبنانية"، بزعامة "سمير جعجع"، وهو الأمر الذي سرعان ما نفاه الحزب المذكور، واضعا المسألة في سياق تدريبات خاصة بحماية مؤسسة إعلامية مرتبطة به. وبخصوص موضوع السلاح، يقول"أنطون زهرة" النائب عن حزب "القوات اللبنانية":" من المعروف أن هناك فوضى في موضوع السلاح في لبنان، ولكننا لسنا أبدا في جو تسليح كبير لأية مجموعات بهدف خلق اضطرابات."
وبينما رأى "زهرة" أن موضوع "الأمن الخاص" هو أمر "خارج عن أي تفكير وأي توجه للقوات اللبنانية"، إلا أنه أكد أن الحزب "يعول بشكل أساسي على جهود السلطة الأمنية لمعالجة هذه الخروق."
وفي غياب أي معطيات مادية أو أرقام مثبتة حول حركة التسلح، أكد مصدر أمني رفيع مطلع لنا "أن لبنان يغص بالسلاح، وأن القول إن البلد نظيف من الأسلحة هو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل."
وتحدث المصدر عن "مساواة معظم الفرقاء في اقتناء السلاح الفردي"، منوّها بـ"ارتفاع كبير جدا في أسعار الأسلحة الفردية، وهو ما يدل على كثرة الطلب عليها"، مشيرا إلى أنه "قد يكون هناك من يمول حركة التسلح هذه."
ولم يخف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن "الدولة هي حكما في حالة إرباك"، وأنه "طالما هناك بقع ومجموعات تملك أسلحة كثيرة وثقيلة، فليس من السهل جمع الأسلحة الفردية."
وبينما نفى المصدر الأمني البارز أن "يكون المطروح معادلة بوجه معادلة"، فقد أكد أن "موضوع السلاح شائك، ولا يحل إلا بقرار مركزي على مستوى قيادة البلاد السياسية العليا."
وشبه المصدر موضوع السلاح بالسرطان مضيفا بالقول:" لا يعالج السلاح بقرص أسبرين".
وتنعكس أصداء الانقسامات السياسية بخصوص هذا الموضوع على الشارع اللبناني أيضا، بحيث تعتبر "رولا" المقربة من "حزب الكتائب"، بزعامة الرئيس اللبناني الأسبق "أمين الجميل"، أنه "عندما تصبح الدولة بحاجة للدفاع عن نفسها، يشعر الشباب بالحاجة للدفاع عن النفس، وبالتالي للتسلح."
وتضيف:" شعوري الآن أنه في حال قالوا لي إن الدولة لا تستطيع فعل شيء، بينما الفريق الآخر( حزب الله) يهاجمني ويريد تدمير لبنان، فسأنزل إلى الشارع، وأواجههم، وأعرف عدة أشخاص يحسون بالشعور نفسه."
في المقابل تعتبر "نيكول"، المقربة من المعارضة، أنه "في حال كانت هذه الإشاعات صحيحة، فإن التسلح خطأ كبير لأن الناس المهتمين بالتسلح هم الأشخاص الذين يطالبون بسحب سلاح حزب ا لله، وبالتالي فهم لا يحلون المشكلة بل يزيدونها تعقيدا."
وتتابع:" هنا الناس جميعا مرتبكون، وحتى الذين لم يفكروا يوما باقتناء سلاح أصبحوا يريدون التسلح..فكم دولة نملك داخل الدولة؟ الأمر خطير!."
في ظل هذه التشنجات كلها، والتي قد تبدو وكأنها قنبلة موقوتة، فمن يضمن الأمن في لبنان، ويؤكد ضبط التحركات السلمية وعدم تحولها إلى مواجهات مسلحة؟.
المصدر الأمني سابق الذكر يعول على حكمة القادة السياسيين وعلى حكمة المواطنين...والمواطنون يعولون على عدم انفجار القنبلة، وفي الذاكرة حرب ليست أبدا ببعيدة.
المصدر :بي بي سي
إضافة تعليق جديد