“مداد”: لا تملك الجامعات السورية أي قدرة على المنافسة في التصنيفات الأكثر أهمية في العالم
يُفترض بعد الحرب أن تمتلك سورية –التي تحتاج إلى عمليّة بناء شاملة تطال البشر والحجر– مقوّمات عديدة تسمح لها بالرهان على إحداث خرقٍ في المجال الاقتصاديّ، فيما بات يعرف اليوم باقتصاد المعرفة، واستخدام هذا الخرق لتحقيق النمو المنشود الذي يمكن أن يشكل دعامة النهوض الاقتصاديّ والاجتماعيّ في سورية. إذ تمتلك سورية رغم نزيف الحرب، مخزوناً كبيراً من الشباب المتعلم بأعمار تتراوح بين 18 و30 عاماً، كما تمتلك بنيةً تحتيةً أكاديميةً مقبولة من مؤسسات أكاديمية في كافة المراحل (رغم الدمار والنزيف الذي لحق بها) تسمح بالرهان على إمكانية تطويرها واستخدامها كركيزة أولى للبناء عليها. وهي كلها مقومات تسمح لنا بطرح السؤال الآتي:
كيف يمكنُ لسورية طوال عقدٍ قادمٍ من الزمن أن تستثمر ما تملكه من مقومات في مجال التعليم، للتحوّل نحو اقتصاد المعرفة (وهو الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة) والاستثمار في صناعات سورية حقيقية قائمة على إنتاج المعرفة والمعلومة، وهي صناعات باتت تشكل فرصة للكثير من الدول النامية، من أجل إحداث تطور اقتصادي واجتماعي فيها؟.
ينبغي من أجل الإجابة عن هذا السؤال إجراء تحليلٍ شاملٍ لواقع التعليم في سورية، بمراحله المختلفة، والبدء بتحديد نقاط قوته وضعفه، وفرص تطويره لوضع استراتيجيات النهوض به، وتعريف الآليات التي ستؤدي إلى هذا النهوض. هذا التحليل الشامل يجب أن يتناول: التعليم المدرسي بمراحله الثلاث، بصفته المسؤول عن تشكيل الخامة الأولى لإنسان مجتمع المعرفة، ومن ثم التعليم الجامعي بمرحلتيه الجامعيتين: الأولى، والثانية التي تشمل الدراسات العليا والبحث العلمي، بصفته المسؤول عن تصنيع المخرجات اللازمة لسوق العمل (بالمعنى العريض) الذي يشمل كافة القطاعات العلمية والبحثية والمهنية، إضافةً إلى التأهيل المستمر والتعلم مدى الحياة الذي يضمن ديمومة التطور العلميّ والمهنيّ والاقتصاديّ في المجتمع.
في هذا السياق، سنركز في هذا العرض على مرحلة التعليم الجامعي بشقيها، استناداً إلى دراسة جزئية محددة تتناول وضع الجامعات بصفتها المُصنِّع الأول لمخرجات التعليم الجامعي بكافة قطاعاته، مع التأكيد على أن وضع الجامعات لا يمكن أن يُدرس خارج سياق واقع التعليم العالي الشامل.
يتبيّن بعد التركيز على الجامعات السوريّة الخاصة والعامة، أنها كمؤسسات تفتقد لأي وجود حقيقي على الساحة الدولية، في حين أنَّ خريجيها ينتشرون في الكثير من الجامعات الغربية والشرقية، ويحققون إنجازات فردية مميزة عندما يخرجون منها إلى مؤسسات أكاديمية خارجية، وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الواقع الإداريّ والأكاديميّ لجامعاتنا.
وبما أنَّ الوجودَ الحقيقيَّ للمؤسسات الجامعية اليوم بات ينعكس في عملية تصنيفها ضمن مختلف منظومات التصنيف الأكاديمية، سنركز في الآتي على تحليل أسباب خروج المؤسسات التعليمية السورية خارج معظم التصنيفات الأكاديمية، مستخدمين هذه التصنيفات كأداة لتحليل الواقع الأكاديميّ والبحثيّ في الجامعات السورية، وليس كهدف، ومعتمدين على الخبرة الإدارية الناتجة عن إدارة مؤسسة أكاديمية سورية محلية، كالجامعة الافتراضية السورية، للوصول إلى تحليل الواقع الإداري والأكاديمي والبحثي لجامعاتنا. إذ على أساس تحليل هذا الواقع الإداري والأكاديمي والبحثي لجامعاتنا، يمكن أن نصل إلى تحليل أولي لواقع التعليم العالي في سورية.
كما أنّه من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة، علينا أن نجيب عن مجموعة من الأسئلة:
ماذا تعني تصنيفات المؤسسات الأكاديميّة، وما دلالاتها وصدقيتها؟
إذا قبلنا بشروط اللعبة، ما وضع الجامعات السوريّة ضمن هذه التصنيفات، ولماذا اختفت من هذه التصنيفات؟
كيف يمكن اتخاذ إجراءات قصيرة الأجل لتحسين وضع الجامعات السورية في هذه التصنيفات؟
ما الإجراءات البعيدة الأمد التي يجب اتخاذها؟
مداد
إضافة تعليق جديد