(وثائق سورية): كلمة الرئيس شكري القوتلي في تأبين الشيخ علي الدقر
شارك الرئيس شكري القوتلي الجمعية الغراء في حزنها على وفاة العالم الجليل الشيخ على الدقر رئيسها، وألقى هذا الخطاب مؤبنا له في جامع الأمير تنكز بدمشق
(العالم العامل، الذي نجتمع اليوم في هذا المكان المقدس لتخليد ذكراه، أخلص لدينه فعبد الله عبادة خشوع وقنوت، وأخلص لعلمه فنشره بين الناس بكل قوة، وعممه وراء الأقطار والأمصار بكل جرأة، وسعى لعقيدته دون رهبة أو خشية، وسار في طريق الحق مجتازاً كل عقبة، وصابراً على كل صدمة.
ولئن تهيأ لفقيدنا الكبير، أن يقف حياته الطيبة على مصالح أمته ودينه، فما كان من الحياة القومية وأهدافها وغاياتها، إلا رجلاً في صميمها وفي اعلى ذروة منها، ولعمري ان قلباً كبيراً، كقلب فقيدنا العظيم، لا يمكن إلا أن تلتقي فيه عناصر الخير كلها، فيجمع إلى تقواه وعلمه، قومية خالصة بكل مقوماتها، ووطنية صحيحة بجميع أطرافها.
أيها السادة! لئن كنا أردنا لهذه الأمة الخير والسعادة، فدعونا الناس إلى حياة العزة والكرامة، بقلوب مشبعة بحب الحرية والسعادة، وبروح مترعة بالانسجام والوحدة، وبعقل لا يقبل إلا أرفع الغايات وأسمى الأماني، فما كان فقيدنا العظيم قصياً عن هذه الأماني والغايات، وما بشر في مجالسه العامة والخاصة، إلا بما بشرنا ونبشر به: من التعاضد والتضامن واستلال السخائم من الصدور، والالتفاف حول قضية الوطن الكبرى، لا تجمعنا في ذلك إلا المصلحة العامة، ولا نستهدي إلا بهديها ولا نرى الدنيا إلا بنوره. فلقد قلنا ومازلنا نقول بإطراح الأنانيات ونبذ الأحقاد والابتعاد عن العصبية العمياء، فالوطن أعلى من الأحزاب، والأمة أرفع من الهيئات، وليس بعد اليوم عصبية أو حزبية، إلى غير الطريق القاصد والمطلب الخالد، وما كان عليهم إلا أن يتعرفوا إلى المخلصين، بأرواحهم وعقولهم، وما كان على هؤلاء المخلصين إلا أن يمخصوهم الخدمة، وأن ينذروا أنفسهم على مذبح قضيتهم، صادقين في أقوالهم مخلصين في أعمالهم، لوجه الله ولوجه هذا الوطن.
أيها السادة! إذا أراد الله بأمة خيراً، هيأ لها أسبابه، وفتح بين يديها أبوابه ويسر لها طلابه، فاعملوا كما عمل أسلافكم متحدين متضامنين، وارفعوا لواء الآباء، وشقوا إلى المجد طريقكم، ولا تقعدوا دون عزكم وسؤددكم.
وإنني لأتخذ هذه الفرصة وسيلة لدعوة الأمة جمعاء لأن تسير صفاً واحداً، لمجابهة الأحداث والتطورات المقبلة، سعياً لتحقيق هدف أعلى ومثل أسمى، وهو المجد الذي ينتظرها، والسعادة التي تتوخاها.
وثقوا أن يوماً تجمعون فيه أمركم على الحق، ولا ترضون فيه بما دون الحق، هو اليوم الذي تسفر فيه لكم الدنيا عن وجهها الضاحك، لتأمين الاستقرار في ظل السيادة والاستقلال.
ولا تدعوا يوماً يمر وأنتم فيه على الإصلاح متمكنون إلا فعلتم، ولا تتركوا فرصة تمر وأنتم على التضحية فيها مقبلون إلا أقدمتم، ولا تذروا مناسبة أنتم على جمع كلمتكم وتوحيد صفكم ولم شملكم قادرون الا أتقيتم ربكم فصنعتم، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم).
شكري القوتلي
المصدر: مجموعة خطب الرئيس شكري القوتلي خلال عامين من رئاسته أيلول1955-أيلول 1957م، دمشق عام 1957م.
الجمل- إعداد:سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد