هل أنت «أسود وأبيض» أم «رمادي»؟
البعض يتقابلون ويقعون في الحب، ثم يتزوّجون على الفور. آخرون يمضون ساعات في متجر ما يفكرون بسلبيات وإيجابيات شراء جوارب من الصوف بدلاً من القطن! لماذا يتخذ البعض قرارات مهمة بشكل فوري في حين أن البعض الآخر قد يمضي ساعات لاتخاذ قرار ولو بسيط؟!
يفسر علماء النفس هذه الإشكالية بأن هناك زاويتين ينظر الأفراد من خلالهما إلى أمورهم الحياتية، إما عبر منطق «الأسود والأبيض»، حيث تبدو الخيارات واضحة وينصبّ التركيز على جانب واحد فقط، وإما من منطلق «الرمادي»، حيث يقلب الأفراد الأمور من كل جوانبها لاتخاذ قرار ما.
وهذان المنطلقان يؤثران على مسار حياة الأشخاص، سواء في العمل أم العلاقات إلى مسألة اختيار المرشح الذي يصوتون له... فالأشخاص الذين لديهم مشاعر متضاربة في غالبية الأحيان، هم الذين يفكرون من زاوية رمادية، ويعانون من التناقضات أو الازدواجية. ولكن التفكير الرمادي هو علامة النضج، لأنه يمكّن الأفراد من رؤية العالم كما هو فعلاً!
ولعقود عديدة تجاهل العلماء بشكل كبير التناقض، واعتبروه أمراً غير مهم. وبحسب الأستاذ في جامعة «واترلو» المتخصص في دراسة «التناقض» مارك زانا، فإن الطريقة التي درس من خلالها العلماء مستويات السلوك، أي بسؤال المشاركين عن سلوكهم بمقياس يتراوح من الموجب إلى السلب، صعّب تمييز أولئك الذين لديهم آراء متناقضة عن الذين كانوا معتدلين.
فالأشخاص الذين لديهم حاجة قوية للوصول إلى نتائج في موقف ما يميلون أكثر إلى التفكير بأسلوب «الأسود والأبيض»، أما الأشخاص المتناقضون فيميلون لأن يكونوا أكثر راحة مع اللاحتمية في مواقفهم.
وهذه النتيجة التي توصل إليها أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة «أمستردام» فان هارفلد، في دراسة أجراها وطلب فيها من طلاب جامعيين كتابة مقال عن رأيهم في قانون «العمل الجديد» الذي يؤثر على الشباب، من جانب واحد أو من الزاوية الأخلاقية للموضوع، وسمح لمجموعة أخرى من الطلاب بأن يعبروا عن آرائهم من الزاويتين.
وتبين له أن الطلاب الذين أجبروا على اختيار زاوية واحدة عبروا عن شعور غير مريح، وحتى جسدياً تعرقوا أكثر. وأوضح هارفلد أن السبب في ذلك هو أنه «عندما لا يكون القرار سهلاً فإن الأشخاص الذين يفكرون بأسلوب رمادي، يميلون إلى المماطلة ويتجنبون اتخاذ قرار».
ولكن كيف يؤثر التناقض على التفكير؟
بسبب آرائهم السلبية جداً أو الإيجابية جداً، فإن الذين يفكرون بأسلوب «الأسود والأبيض» يميلون إلى أن يكونوا أسرع في اتخاذ القرارات من المتناقضين. ولكن إن غرقوا في التركيز في نقطة واحدة دون سواها قد يميلون إلى العنف أو إلى أفكار أو سلوكيات غير جيدة. فالذين يعانون من الاكتئاب مثلاً، غالباً ما يغرقون في وجهة نظر واحدة وسلبية عن العالم. وقد يفسرون أي عمل بشكل سلبي، كأن يفسروا عدم تلويح صديقهم لهم بأن صديقهم غاضب منهم. وهؤلاء لديهم صعوبة في التفكير بتفسيرات بديلة.
أما الأفراد المتناقضون فيميلون إلى التقييم المنهجي لمختلف جوانب الموضوع قبل التوصل إلى قرار. فيدققون بحذر في الأدلة المقدمة إليهم، ويصنعون لائحة بالإيجابيات والسلبيات، رافضين المعلومات المبسطة.
ويبدو أن قدرة المتناقضين على رؤية كل جوانب الموضوع واختلاط مشاعرهم، قد يكون له بعض الفوائد. فعندما يشعر الأشخاص بمشاعر مختلطة كالأمل والحزن معاً يميلون عندها إلى اعتماد استراتيجيات أفضل. كما يمكن أن يكونوا مبدعين أكثر، لأن اختلاط المشاعر يقودهم إلى النظر بأفكار ربما كانوا يرفضونها.
ولذلك، فإن الموظفين الذين يتناقضون للغاية مع وظيفتهم هم أكثر تقلباً في أداء عملهم، فأحياناً يؤدون عملهم بشكل جيد وأحياناً بشكل رديء، بحسب أستاذ علم النفس الاجتماعي والتنظيمي في جامعة «توبنغن» الألمانية رينيه زيغلر، الذي أوضح أن «ردة فعلهم الإيجابية غالباً ما تكون أفضل من ردة فعل اللامتناقضين، فهم يؤدون عملهم بشكل متقن أكثر منهم».
(عن «وول ستريت جورنال»)
إضافة تعليق جديد