(نهارات الغفلة).. انتكاسة جديدة لمعهد الفنون المسرحية
بدأت رحلة تراجع المعهد العالي للفنون المسرحية مع بداية عام 2001 عندما تم فصل المعهد المسرحي إدارياً وتعليمياً عن توأمه المعهد العالي للموسيقا.
في ذلك الوقت نشأت خلافات كثيرة بين العمادة الجديدة وعدد كبير من أعضاء الهيئة التعليمية ما تسبب بهجر البعض منهم المعهد لأعوام كثيرة، ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا نشهد سنوياً عروض التخرج المخيبة والمحبطة لطلبة قسم التمثيل - باعتبار هذه المشاريع الاتصال السنوي المباشر بين المعهد والأوساط الفنية والمهتمة - في الوقت التي تعقد فيه آمال كبيرة على خريجي المعهد باعتباره المؤسسة الأكاديمية الرسمية الوحيدة التي تدرس فنون الدراما وعلومها، ومن تابع (نهارات الغفلة) مشروع التخرج الأخير الذي قدم مؤخراً على خشبة المسرح الدائري في المعهد المسرحي يمكنه أن يدرك ما آلت إليه أوضاعه التي تستدعي البكاء على الأطلال ونظم بعض أشعار الرثاء على أيام المعهد الذهبية الماضية.
هناك من يقول أن المسرح هو فن تركيبي يقوم على تضافر مجموعه عناصر مختلفة من الممثل والنص المسرحي والديكور والفضاء والموسيقا وغيرها، للخروج بعمل متكامل يمتاز عن غيره باشتماله ضمن عناصره على أنواع متعددة من نتاج الإنسان الإبداعي، ومن أهم مهام مخرج العمل المسرحي هي إيجاد حالة انسجام وتآلف بين هذه العناصر، لكن من تابع عرض التخرج يجد أن القائمين عليه فهموا تركيبية المسرح على طريقتهم الخاصة، عندما قدموا مجموعة مشاهد مختلفة تعود إلى عدد ليس بقليل من المسرحيات العالمية الجامع الوحيد بينها هو تيمة الخيانة، تربطها حبكة مفتعلة تقوم على أحداث بروفة يومية مرتجلة لطلاب دفعة التخرج بعد أن غاب عنهم أستاذهم المشرف، لتتحول البروفة/العرض إلى تمارين مسرحية تشبه إلى حد قريب جداً امتحانات مادة التمثيل التي تقدم في سنوات الدراسة التي تسبق التخرج، كما اعتمد العرض على العلاقة الثنائية بين الطلاب بشكل أساسي، حيث اختيرت مشاهد درامية من مسرحيات عالمية (سيدة الفجر لأليخاندرو كاسونا- ريتشارد الثالث لشكسبير- أليكترا ليرويبيدس- شهر في القرية لإيفان تورغينيف- أرض النفاق لغاليز غوين- الأقوى لسترنبرغ) اعتمدت جميعها على ممثلين اثنين فقط لأداء كل منها ليتحول بقية الطلبة إلى كومبارس أو مشاهدين يعلقون حيناً ويتدخلون بمجرى الأحداث أحياناً أخرى لا لشيء سوى كسر حالة الإيهام ولتأكيد أن ما نراه هو بروفة مسرحية ليس أكثر، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن علاقة الطلاب فيما بينهم ونقل أحداث يومياتهم العادية وتجسيدها على خشبة المسرح يعتبر عرضاً مسرحياً، من ثم تتغير صيغة العرض مع ظهور ثنائية جديدة وتحول من كان على خشبة المسرح يؤدي دوراً مسرحياً إلى كومبارس من جديد، ومع غياب النص الواضح وخطوط الفعل الدرامية والصراع والعلاقة بين الطلبة الخرجين جميعاً، فقد عرض التخرج طابعه الأكاديمي وسويته العلمية المرجوّة منه ليتحول إلى بروفة فعلية نقلت كما هي إلى خشبة المسرح، وهنا نتساءل عن الدور الفعلي والحقيقي الذي قدمه الأستاذ المشرف حسن عويتي ومساعده كفاح الخوص-الذي عمل «دراماتورج» للعرض أيضاً- في مشروع تخرج تستطيع تبديل مشاهده وبعثرتها كيفما شئت دون أن يتأثر مضمون العرض القائم أساساً على مستويين، الأول درامي يضم مشاهد المسرحية المختارة حاول الطلاب نقل ما تعلموه خلال سنوات دراستهم الأربع، ومستوى آخر اعتمده مشرف العرض للربط وخلق سياق بين تلك المشاهد وإن لم يخلو الأخير من افتعال لحظات كوميدية مجانية ولا منطقية في كثير من مجريات العرض، لتكون النتيجة «كولاج» مسرحي يفتقد الهوية الواضحة والأسلوب المحدد، يمزج بين أنواع كثيرة من الأداء المسرحي والأنواع المسرحية.
إلى متى سيظل المعهد العالي للفنون المسرحية في تراجع مستمر؟ من يتحمل؟ أين تكمن مشكلة المعهد الأساسية؟ هل سنشهد في العام القادم مشروع تخرج يعيد للمعهد أمجاده الغابرة؟ وأسئلة كثيرة غيرها أثارها مشروع تخرج دفعة التمثيل الأخير دون أن نجد إجابة شافية لأيٍّ منها، نحيلها بدورنا إلى عمادة المعهد العالي وهيئته الإدارية والتعليمية على أمل أن يجيبونا عنها، وإلى ذلك الحين ستبقى أحوال معهدنا العزيز على حالها، أما مواهب طلابنا الأعزاء ستظل مشتتة وضائعة في أروقة المعهد المسرحي باحثة عمن يحتضنها ويرعاها لأجل غير مسمى.
أنس زرزر
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد