مُقَامُ البِتْروُل العَرَبِيّْ
ثمة خللُ ظاهرُ ينتاب حقاً حال «كفاءة الإمداد الطاقيُّ »في عالم الشمال، و خاصة ذلك الذي يتكشف مريباً في إطـار بلدان المجموعة الأوروبية ( EU ) «الماكيافيللية» التائهة طويلاً في دروب «التبعية الإمبريالية الجديدة ». برأينا المتواضع، إن استفحال تبعاتِ هذا الخلل، و ربما تفشيها في المنظور غير البعيد، ضمن الوطن العربي وفي القارة الآسيوية عموماً، هي التي استدعت جميعاً تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن (يوم الأربعاء 21 حزيران 2006 ) الى فيينا تحت غطاء «القمة السنوية الأميركية ـ الأوروبية » الطارئة (!؟): فالمجموعة الأوروبية، المكونة من 25 بلداً، عيل صبرها بانتظارِ غوثٍ طاقيٍ قَارٍ تقدمه لها «إمبراطورية النفط الكبرى »، كونها باتت ـ قبيل احتلال العراق مثلاً ـ غير واثقةٍ بعدُ من تأمين حاجتها الفعلية من الإمداد الطاقي ( الذي يبلغُ في أدناه حدود 18.8 % من مجمل إمداد الطاقة العالمي الراهن )، و يشكل الغاز الطبيعي عنصراً رئيساً فيها.
و من يتابع أفعال التسلط الإمبريالي الطاقيّ الجديد، و الهيمنة السياسية الأميركية، و الطغيان التجسسي عبر سجون «إمبراطورية النفط الكبرى» السرية على امتداد القارة الأوروبية حتى وقتٍ قريب، يتبين له بكل يسر: «أن الخلل السائد، في الطبيعة الراهنة لاكتفاء / شحُّ الإمداد الهايدروكاربوني ضمن المجموعة الأوروبية اليوم، إنما هو عائدُ مباشرةً لاستئثار القوى
السيادية «الهوبزية »الأميركية بأنفال حروب الإمبراطورية، وحرمان كبار الأمم الأوروبية من نيل حصصٍ جديرة بالاعتبار من البترول العربي عموماً و بترول بلاد الرافدين خصوصاً ( انظر الجدول المرفق ) من جهة، في حال أن هذه الأمم لم تتوانَ البتة عن الانخراط طائعةً / مختارةً في القوة الشمالية الضاربة التي احتلت العراق، كما تقوم جهاراً برعاية أزلام الإمبراطورية في نشر ديموقراطية الفوضى ضمن العديد من أرجاء الوطن العربي و في لبنان بشكل خاص، الأمر الذي قَــزَّمَ الثقـة الشعبيـة الأوروبيـة في الولايات المتحدة الأميركية الفاعلة. كما تشاء أوروبياً من جهة أخرى. و في استبيان عام لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية ـ العالمية المميزة، أجرته بُعَيْدَ انقلاب جورج بوش الابن الأخير على شركائه في الإدارة الأميركية، و من ثم تفرده بصحبة وزيرة خارجيته في التعامل الميداني المباشر مع «طبيعة أشياء الحرب و السلام الدولية » في عالم الجنوب بدايةً ( حيث تكشفت بواكير أعماله في الشدُّ على يَدِ عصابة الأربعة المالكية الحاكمة أثناء زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة للجزيرة الخضراء ببغداد) كشفت فيه عن حقيقة: (1) اقتناع 36 % من الأوروبيين بأن: «السياسة الإمبريالية الأميركية تشكل أكبر تهديد للسلام العالمي »، و (2) رؤية 66 % من الشعب النمساوي ( الذي يستضيف القمة السنوية الأميركية ـ الأوروبية الأخيرة هذه ) بأن السياسة الأميركية لعبت دوراً رجعياً طويلاً في السياسة الدولية. و عندما ذكر أحد الصحفيين الأوروبيين الرئيس جورج بوش الابن بهذه النتيجة رد عليه بمنتهى القساوة قائلاً: «انه بيــان مُــزْرٍ و سخيف (absurd )... و لن نكترث لما يقال...و لا أُحْكَمُ باستفتاءات الرأي العام، فأنا أعمل بما أراه صواباً، و أتصرفُ وفقاً لمعتقداتي، فأنا رئيس الولايات المتحدة الأميركية (!!!)..». و في مناخ هذا الفكر التسلطي «الهوبزي » الواضح، نعتقد أن قرارات قمة المجموعة الأوروبية ـ الأميركية التي اتخذت في السرِّ أو العلن قد تركزت وفق الأبعاد الأربعة التالية: ( 1 ) ـ رغم الوقفة الشعبية المضادة لأمم المجموعة الأوروبية، التي عبر عنها استطلاع الرأي الذي قامت به جريدة الفايننشال تايمز المشار إليها أنفا و مواقف الشارع الأوروبي الصامد في وجه الهيمنة الإمبريالية الجديدة، منذ احتلال العراق و حتى اليوم، بدا للمؤتمرين في «القصر الإمبراطوري النمساوي «أن الضرورة الأوروبية (أي الماكيافيللية ) تقتضي مسايرة قيادات المجموعة الأوروبية جهاراً لمجمل طموحات الهيمنة الظاهرة و الخفية لدى الإدارة الأميركية و ذلك قبيل انعقاد قمة الثمانية ( G8 ) في مدينة سانت بيترسبورغ ( روسيا الاتحادية ) ما بين 15 ـ 17 أيلول2006 القادم، حيث يعتقد زعماء قمة المجموعة الأوروبية ـ الأميركية بامكان صنع صفقة ما مع روسيا الاتحادية يقف على رأسها عقد اتفاق تجاري ـ سياسي استراتيجي يمكن من خلاله حصول أوروبا على إمداد مريح من الغاز الطبيعي الروسي. ( 2 ) ـ متابعة تسيير بعضِ الجمهوريات المنفلتة عن نظام الاتحاد السوفييتي الفارط ( أي استونيا، ليتوانيا، ليتفيا، جورجيا، أوكرانيا و روسيا البيضاء...الخ ) باتجاه هزِّ مركب القوة الاستراتيجية الضاربة لدولة روسيا الاتحادية، بل إغراقه تحديدا.
( 3 ) ـ ضبط التعاون الأوروبي ـ العربي بشتى أشكاله، و الطاقي منه بخاصة، باتجاه ِتعزيز ثوابت العقيدة الاستراتيجية الأميركية ـ الصهيونية التي أخذت منذ حرب تشرين التحريرية عام 1973 صيغة «المقابلات »: كالأرض مقابل السلام، و النفط مقابل الغذاء....الخ، مع متابعة عقاب الشعب الفلسطيني الذبيح على ممارسته الديموقراطية وفق أفضل الأصول الشمالية التي أوصلت حركة حماس الى سدة السلطة لديه، و القرقعة بأدوات الحرب في وجه إيران و هي تتابعُ حقها الطبيعي في حيازة الإمكانية الكهرونووية السلمية، مع متابعة التلاعب السياسي مع كوريا الشمالية الديموقراطية التي باتت تملك تسليحاً نووياً ما اليوم.
أما الأمر المميز الخفي في مقررات قمة المجموعة الأوروبية ـ الأميركية هذه، و الذي نتوقع ظهوره جهاراً في المنظور العاجل، فيتجسدُ في إعادة نظر الإمبراطورية بتوسيع توزيع أنفال حرب بلاد الرافدين الدائرة اليوم، حيث تأخذ في شمولها بلدان أوروبا «المطيعة »لأهوائها، مع الإفادة من الإتاوات الإمبريالية المأخوذة في السرِّ و العلن من بعضِ الأقطار العربية الرئيسة المصدرة للبترول، حيث يجري فيها بالرصاص أو القرطاس ( كما يقول المثل البدوي العربي ) ربط بعضِ الدول العربية البترولية «المطاوعة »بعلاقات تبادل تنموية مميزة ما مع بعضِ الدول الأوروبية و ذلك وفقاً «لطواعية: susceptibility »الأخيرة لتوجهات حلف الأطلسي. هذا و قد تبينت لنا بدايات هذه الظاهرة عبر الماضي القريب عندما تمَّ الربط طردياً بين «الطواعية»الأوروبية هذه و «مطاوعة » الحياة البترولية العربية المنظورة كما يبين الجدول المرفق.
بقلم: الدكتور عدنان مصطفى ( وزير النفط و الثروة)
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد