موسم الأكراد في تركيا
انه «موسم الأكراد» في تركيا.
كل شيء تأجل. لا إصلاحات جديدة، والكلام على الدستور الجديد مؤجل، ولا تقدم على المسار الأوروبي. فصوت المعركة يعلو على كل الأصوات.
الهدف الأوّلي من التعبئة تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني. لكن انقرة تأمل بأن يصيب ايضا حجر التهديدات «التجلي السياسي» للحزب داخليا اي حزب المجتمع الديموقراطي الذي تمثل في البرلمان التركي بـ21 نائبا.
لم تعد الأسماء عند الأكراد مهمة. فكلما حظر القضاء حزبا خلفه نظيره باسم جديد لذا ربما هو الحزب السادس او السابع الذي يشكّله الأكراد المؤيدون لعبد الله اوجلان والداعون لهوية كردية تتجسد في دولة مستقلة او فدرالية او حكم ذاتي او مركزية واسعة وما الى ذلك من تسميات.
في المختصر المفيد، هناك «مسار كردي» في تركيا لا علاقة له بـ«المسار التركي» باعتراف حتى الجنرالات المتشددين.
لا يوفر «أكراد تركيا» مناسبة الا ليعبروا فيها عن هويتهم وخصوصيتهم.
حزب المجتمع الديموقراطي تأسس على انقاض حزب ديموقراطية الشعب الذي حظرته المحكمة الدستورية. وقد اعتبر عند تأسيسه انه نتاج فكرة عبد الله اوجلان بالتعاون مع النائبة السابقة ليلى زانا.
الخاصية الأهم لهذا الحزب انه نجح في ادخال الأكراد الى البرلمان للمرة الثانية لكن بأعداد كبيرة اتاحت لهم تشكيل كتلة برلمانية، اي التمثل في كل اللجان البرلمانية، وهذا له اهمية كبيرة بالنسبة لهم وللحصول ايضا على مساعدات من الدولة.
عقد الحزب امس الأول، مؤتمره العام الثاني في انقرة. وقد جاء في ظروف استثنائية من تهديدات انقرة لشمال العراق وحزب العمال الكردستاني، الذي اعلن امس ان محاورة انقرة قد تدفعه نحو إلقاء السلاح، كما توجيه تحذيرات شديدة لحزب المجتمع الديموقراطي نفسه بألا يكون اداة لحزب العمال الكردستاني، خصوصا ان وسائل الاعلام التركية مشغولة يوميا بكشف ماضي نواب الحزب، ومن ذلك ان زوج النائبة فاطمة قورتولان هو منذ عشر سنوات عضو قيادي في حزب العمال الكردستاني، وهكذا دواليك.
ولأسباب صحية، لم يتم تجديد رئاسة النائب احمد تورك الذي اكتفى بان يكون رئيس كتلة الحزب البرلمانية.
وانتخب الحزب لرئاسته قياديا ليس عضوا في البرلمان لكي يتفرغ بشكل كامل لشؤون الحزب، خاصة ان الحزب يواجه تحديا كبيرا في استعادة قسم مهم من أصوات الأكراد التي ذهبت في الانتخابات النيابية الأخيرة الى حزب العدالة والتنمية.
الرئيس الجديد للحزب يعكس حيوية «المسار الكردي». فنور الدين ديميرطاش لا يزال في الخامسة والثلاثين من العمر وسجله مع الدولة التركية حافل. فهو قضى تسع سنوات (من اصل مدة محكوميته البالغة 19 عاما) في السجن من 1997 الى 2006 ونجح في كسب دعوى ضد تركيا امام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي ارغمت تركيا على دفع غرامة مقدارها ألفا يورو. وهو شقيق النائب عن الحزب صلاح الدين ديميرطاش.
وقد انتخبت النائبة امينة آينا نائبة للرئيس، وهي معروفة بمناهضتها العنف وتدعو لحل المشكلة الكردية تحت قبة البرلمان.
وعلى هذا، سيكون للحركة الكردية في تركيا ثلاثة رؤوس هم: نور الدين ديميرطاش وامينة اينا واحمد تورك.
اللافت في المؤتمر العام الثاني للحزب، انه بدأ اعماله من دون عزف النشيد الوطني التركي ومن دون توجيه دعوات الى الدبلوماسيين الأجانب. فقط ممثلون للسفارة الكندية طلبوا الحضور فسمح لهم بإذن خاص. كذلك لم تحضر ليلى زانا بسبب وفاة احد أقربائها. وبرز انتخاب محمد، شقيق عبد الله اوجلان، لعضوية مجلس الحزب رغم انه لم يكن موجودا في قاعة المؤتمر.
تحدث نور الدين ديميرطاش عن العناوين الاساسية للحزب في المرحلة المقبلة، مشبّها اكراد تركيا بأتراك بلغاريا الذين اضطهدهم تودور جيفكوف ومارس تجاههم سياسة الصهر والتذويب لكنه لم ينجح، ونال اتراك بلغاريا بعد زوال الحكم الشيوعي حقوقهم كاملة، ويمثلهم حزب قوي هو حركة الحق والحريات.
ولم يرفع ديميرطاش الصوت عاليا اذ دعا الى ان يكون الحوار وليس قرقعة السلاح هو السبيل لحل المشكلة الكردية.
لكن ديميرطاش كان واضحا في رفع سقف التحدي عندما دعا الى اقامة نظام فدرالي او حكم ذاتي ديموقراطي يطلق على كل فدرالية اسم المدينة الاكبر التي توجد فيها على ان تكون كل الشؤون من صلاحية هذه المناطق ما عدا الدفاع والمال والشؤون الخارجية. وقال ان نظام القهر لا ينتج سوى الأزمات والدم. وانتقد ذهنية استخدام السلاح والعنف من جانب الدولة التركية لأنه حوّلها الى شحّاذ امام ابواب الدول الكبرى.
اما محمود أليناك، احد مسؤولي الحزب، فقال انه كما لرئيس الأركان ياشار بويوك انيت ولزعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي وزعيم حزب الشعب الجمهوري دينيز بايكال حقوق انسانية، فلعبد الله اوجلان «الذي يقتلونه كل ثانية في السجن» ايضا حقوق. فيما انتقد آخرون شعارات الدولة حول «علم واحد، لغة واحدة، وطن واحد»، وقالوا انها لم تخدم سوى تعميق الشرخ والصدام بين الأكراد والأتراك.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد