منتحل أمينة عارف: هل يحاسب قضائياً؟
«لم أقصد إيذاء أحد، ما فعلته يعبر عن جزء من شخصيتي وجنوني، لقد أردت مساعدة السوريين». بهذه العبارات المشتتة وبصوت متهدج، أنهى الطالب الأميركي المقيم في أسكتلندا توم ماكمستير حديثه لأحد البرامج الإذاعية «لهيئة الإذاعة البريطانية».
أطل ماكمستير إذاعياً في أول لقاء إعلامي له منذ أيام، بعد انكشاف قصة انتحاله لشخصية وهمية لفتاة سورية، وتقديم مدونة الكترونية باسمها، شغلت في الشهرين الأخيرين الإعلام الدولي. ربما يكون حديثه الإذاعي هذا، هو الأخير له مع الإعلام. فالضرر الذي سببه للكثيرين، قد يدفعه بعيدا جدا عن الأضواء، هذا إذا لم تتم محاسبته قضائيا لاستخدامه صور فتاة كرواتية تعيش في لندن، على أنها صور الفتاة السورية أمينة عارف، والتي حولها الإعلام الغربي الى أحد وجوه الثورة الشعبية المستمرة في سوريا منذ ثلاثة أشهر.
لكن قصة أمينة عارف أو «المثلية الجنسية في دمشق»، وهو الإسم الذي أطلقه الأميركي على مدونته، لن تنتهي بهذه السرعة. فعبرها ستتغير شروط العلاقة بين الإعلام التقليدي ومثيله الالكتروني وخاصة المدونات الخاصة. فالشهرة التي حصلت عليها المدونة أمينة عارف تعود بمعظمها الى الاحتضان الكبير الذي وجدته أخبار المدونة على صفحات جريدة عريقة مثل «الغارديان» البريطانية، والتي مهدت لاهتمام صحف وقنوات إعلامية أخرى بالقصة الصحافية.
«الغارديان» التي منحت الشرعية لمدونة أمينة عارف، نشرت أيضا لقاء على أساس أن مراسلتهم في سوريا أجرته مع المدونة السورية في دمشق، قبل اعتقالها المزعوم قبل أسابيع. وهي المراسلة التي تمارس عملها بصورة سرية وباسم مختلف، بسبب منع السلطات السورية عمل الصحافيين الأجانب. وأوحت الصحيفة البريطانية في تلك المقابلة، بأن مراسلتهم قامت شخصيا بلقاء أمينة عارف، لكنها، وبعد انكشاف قصة الأميركي، اعترفت بأن اللقاء تم عن طريق أسئلة وجهت الى عارف عن طريق البريد الإلكتروني. الصحيفة قدمت أيضا اعتذارا طويلاً لقرائها وللفتاة الكرواتية التي تم التلاعب بصورها.
هذه ضربة شديدة القسوة للمدونات الالكترونية وتشويه لبراءتها. إنها تراجع بخطوات عدة الى الوراء، عن الموقع الذي وصلت اليه بعد انطلاق الثورات العربية في بداية هذا العام، والتي دفعت آنذاك شعبيتها الإعلام الهولندي الحكومي الرسمي مثلا، الى تخصيص فريق صحافي كامل لمتابعة ما يجري على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات العربية. من هنا يمكن فهم النشاط الكبير للمدافعين عن جدية المدونات الالكترونية في الأيام الأخيرة، في الـــدفاع عن دور الأخيرة في كشف ونقل الحقائق من مناطق لا يصل لها أحيانا الإعلام التقليدي. وبـــأن ما حصل مع مدونة أمينة عارف هو حادثة فردية، لا تؤثر على النشاط الرائع الذي تقدمه مئات الآلاف من المدونات حـــول الــعالم، والقيمة التي تقدمها بنقل أخبار وقـــصص انسانية لا يوليها الإعلام الشعبي الاهتمام الذي تستحقه.
ويتضمن اعتذار صحيفة «الغارديان» عن ترويجها لقصة أمينة عارف، ما يمكن اعتباره أنه ميثاق شرف جديد للصحافة الجادة، في التعامل مع المدونات الالكترونية. فالصحيفة وعدت قراءها بأنها ستبذل في المستقبل جهداً اضافيا للتحقق من قصص الإعلام الالكتروني الفردي، وقبل نقله الى صفحات الجــريدة. الأمر الذي يعني أن الإعلام التقــليدي بهيكليته المعروفة، سيبقى وحــده، من يمنح الشرعية للمدونات الالكترونية، وان الصحافي «التقليدي» هو الذي سيتحقق من قصص المدون الالكتروني.
وكانت مدونة «مثلية جنسية في دمشق» قد انطلقت في شباط الماضي، ونشرت تفاصيل عن الحياة اليومية والمصاعب التي تواجهها «سحاقية» من أب سوري وأم أميركية في دمشق. وأثارت التفاصيل الخاصة حول وضع المثليين الجنسيين المعقد في سوريا، والتي نشرت على المدونة، مع الاهتمام اللاحق بالثورة السورية، اهتمام الإعلام الأوروبي. والذي وصل الى ذروته، عندما تناقلت وسائل إعلام عدة خبر القبض على الفتاة السورية في أحد شوارع العاصمة السورية في دمشق. ولقد تم قبل أيام قليلة حـذف المدونة الالكــــترونية من موقع شركة «غوغول» المستضيفة.
محمد موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد