من ينتظر بلاغات الحكومة؟
الجمل- راوند سيدو: تتابع الحومة خطتها في رفع أسعار المواد الأساسية، ومنها تلك التي تسميها المواد المدعومة، وذلك لتغطية عجز ميزان المدفوعات لديها، ومؤخرا قامت برفع أسعار وقود السيارات (البنزين) بنسبة 20% وذلك ليلة الأول من تشرين الثاني من العام الجاري.
وبعيدا عن الحديث عن حيثيات قرار الرفع، وتوقيته، وطريقة تطبيقه التي كانت مفاجأة لجميع المتابعين للشأن الاقتصادي المحلي، فالذي كان مفاجأ أيضا هو غياب التنسيق بين لاعبي الفريق الحكومي أنفسهم، ونقصد بذلك الوزارات المعنية المتأثرة بالقرار.
فبعد 4 أيام كاملة تنشر جريدة تشرين تعميم وزارة الاقتصاد القاضي بتعديل تسعيرة وسائط الركوب العاملة على البنزين والذي يمكن اعتباره أول تعميم رسمي عام.
ولكن العاملين في قطاع المواصلات قد بدؤوا بتطبيق تعرفة جديدة بالفعل، منتهزين رفع أسعار الوقود كذريعة لبدء تطبيقها. إذ لم يعد بإمكانهم الانتظار أكثر من ذلك، وخاصة أن الأسعار قد ارتفعت بشكل عام ومازالت تواصل ارتفاعها على هامش المداولات والتصريحات الرسمية برفع الدعم أو إبقاءه.
والمواطن البسيط لا شك وقد لمس آثار رفع أسعار البنزين مباشرة على تسعيرة سيارات الأجرة، والتي ارتفعت 50% على الفور وذلك بإضافة نصف العداد أو 25 ليرة مقطوعة للمسافات القصيرة والمتوسطة. حيث لم تكن الجهة المشرفة عليها قد تهيأت بعد لتطبيق التسعيرة الرسمية كما حصل في كانون الثاني من العام الماضي حيث سارعت دائرة النقل في محافظة دمشق بتوزيع التعديلات على التسعيرة في اليوم التالي على تطبيقها من خلال شرطة المرور التي انتشرت بكثافة لمتابعة التزام سائقي سيارات الأجرة بوضع اللصاقة التي تبين التسعيرة الجديدة على بللور السيارة الأمامي.
هذه المرة كان الأمر مختلفا
فمحافظة دمشق انتظرت أسبوعين لتصدر التسعيرة الجديدة لسيارات الأجرة، أي أن النزاع بين سائقيها، والركاب استمر أسبوعين كاملين تحت مظلة من عدم المبالاة والتلكؤ الرسمي بالتدخل لوضع الأمور في نصابها، وهو ما شجع أصحاب السيارات العمومية على التمادي في ابتزاز المواطنين المحتاجين لخدماتهم.
ولكن هل قضي الأمر؟
لا نعتقد ذلك، فالتسعيرة الجديدة بحسب بلاغ وزارة الاقتصاد لم تأخذ بعين الاعتبار سوى الزيادة في أسعار البنزين بعين الاعتبار (وهو تماما ما حدث السنة الماضية حيث تم رفع التسعيرة 25% كحد أقصى)، وهو الأمر الذي لا يناسب أصحاب السيارات العمومية والشركات العاملة في قطاع النقل، ويجعلنا نتساءل فيما إذا كان قرار وزارة الاقتصاد مبنيا على أسس (اقتصادية) أم أن سائقي السيارات العمومية هم أكثر دراية بأصول إجراء مثل هذه الحسابات.
البنزين، مثل أي مادة استهلاكية أخرى، هو مكون من مكونات ما يسميه الاقتصاديون بسلة السلع، وهي مجموعة من السلع التي تمثل السلع التي يستهلكها الفرد مثل الطاقة- الغذاء- الكساء- الاتصالات... إلخ والتي تستخدم لحسابات التضخم. وقد تكون سلعة ما أكثر أهمية من الأخرى (أكثر ثقلا أو أكثر تأثيرا) ولكنها في نهاية الأمر جزء من السلة ليست إلا، أي أن زيادة أسعار باقي سلع السلة يؤثر على السلة أيضا.
ولنطبق ذلك على التسعيرة الجدية التي (ولغرابة الأمر) التي وبحسب وزارة الاقتصاد رأت أن "نسبة زيادة سعر البنزين في الصفيحة 20% ونسبة دخول البنزين في التكلفة 68% بالتالي فإن نسبة انعكاس سعر البنزين على التكلفة يعادل 13.6% لذلك فإن أي تعرفة جديدة ستنعكس انطلاقاً من هذه المعادلة"
وهذا يعني أمرا واحدا فقط، وهو أن زيادة التسعيرة لم تأخذ بعين الاعتبار الزيادات التي حصلت على أسعار باقي السلع في السلة، والتالي لا تعكس سوى جزءا من الزيادة في تكاليف تشغيل السيارات العمومية (سيارات الأجرة مثالا)، أي أن النتيجة هي انخفاض أرباح أصحابها بسبب زيادة أسعار السلع والخدمات المرتبطة بتشغيل السيارة (مثل الصيانة، وقطع الغيار...) وتكاليف المعيشة بشكل عام (بسبب التضخم)، والزيادة الوحيدة التي تعترف بها وزارة الاقتصاد هي الزيادة في سعر البنزين (المسعر رسميا)!
خلاصة القول، لا نعتقد أن أيا من العاملين في قطاع النقل سيرضون بهذه التسعيرة، وسيبقون يفرضون أسعارهم الخاصة تحت شتى المسميات، تحت غياب شبه كامل لرقابة الحكومة على أعمالهم، والأيام القادمة ستحمل الدليل القاطع، فلا أبلغ من قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
الجمل
التعليقات
حائط المبكى
جارتنا الجنوبية
سمحت الحكومة في الأردن لكافة مالكي سيارات التاكسي التي مضى على دخولها في الخدمة أكثر من عدد معين من السنوات (لا أعرفه للأسف، ولكنني أعتقد أنه رقم ما بين 5-10 سنوات) باستبدال سياراتهم القديمة مع إعفاء من الرسوم الجمركية (والتي هي بالمناسبة حوالي 30% وضريبة مبيعات حوالي 13%) وقد أدى ذلك إلى إخراج آلاف السيارات التي كانت مصدرا للهدر الاقتصادي، والتذمر الشعبي!
الوضع لم يعد
إضافة تعليق جديد