من إنجازات البخاري
د. سامح عسكر: زعم أن السيدة عائشة طعنت في الوحي وقالت "ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك" (صحيح البخاري 5113) والمعنى أن القرآن ينزل وفقا لهوى الرسول..يعني باختصار: النبي هو اللي بيألف من عنده..دا كلام البخاري حضرتك الذي يزعم الشيوخ أنه مساوٍ للقرآن في المرتبة لكنه في الدرجة نمبر تو2
والقصة بدأت من قوله تعالى "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين "[الأحزاب : 50]
ومعنى الآية واضح أن من تهب نفسها للنبي يكون وفقا لقواعد "النكاح" بإيجاب وقبول من الطرفين ومهر وحقوق زواج كاملة، لأن العادة وقتها – وإلى الآن - أن تكون عقدة النكاح أو رغبة وولاية النكاح بيد الذكر قديما، لكن الآية هنا قالت العكس..يعني لو واحدة عاوزة تتجوزك يامحمد لو أردت نكاحها فلك ذلك، لو مفيش رغبة..يبقى كل شئ قسمة ونصيب..
وكأن الآية تدريبا وتنبيها بحقوق النساء في الزواج، وكسرا للمتعارف عليه بين العرب، حتى أن الرواية التي ذكرها البخاري ونصها "قالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل " فلما نزلت: (ترجئ من تشاء منهن) قلت: «يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" تقول بوضوح أن العرب لم يقبلوا الآية وحاكموها للعُرف المحلي، فالراوية تعبير عن ثقافة مجتمع بدوي صحراوي يرى مجرد رغبة النساء الجنسية (عيب وعار) وليس بالضرورة أن ترد على لسان عائشة..
المهم: بعض قبائل العرب عندما سمعوا الآية وبلوغ الرسول مرتبة (ملك الدولة) مع (قدسية الرسالة) أصبح مجرد الارتباط به (شرف للقبيلة) وشرحت سابقا كيف أن كثير من قبائل العرب زعمت قرابتها بالنسب والصهر لبني هاشم مع الرسول أملا في بلوغ تلك السمعة حتى وصل عدد زوجات النبي أكثر من 40 زوجة ..وهو رقم كبير جدا ومبالغ فيه
بعض هذه القبائل زعمت نسبها للرسول عن طريق الهبة، وأشهر من وهبن أنفسهن للرسول في التراث "ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة الأنصارية ، وأم شريك بنت جابر ، وخولة بنت حكيم ، وليلى بنت الخطيم " برغم أن ابن عباس ومجاهد روى عنهما أنه لم يحدث أن وهبت امرأة نفسها للنبي أبدا..! (تفسير الصابوني 451)..وهذا تناقض وتعارض من آلاف التناقضات في التراث..
الشيوخ لكي يصححوا حديث البخاري في هبة النساء لأنفسهن، اخترعوا نوع جديد من الزواج هو (بدون ولي وبدون مهر) وخصصوه للنبي فقط بحالة الوهبة، وقالوا معنى خالصة لك يعني (خالصة من كله) ..فلوس وشبكة وعشيرة..إلخ، أي واحدة عاوزة تتجوز الرسول ياجماعة النبي لن يدفع مليم أحمر..!..فكانت ولا زالت هذه القضية – أي وهبة النساء أنفسهن للرسول فوق عدد الزوجات المحدد بأربعة – شبهة كبيرة في الإسلام ومطعن أساسي على الرسول يثبت إنه رجل شهواني وأنه ادعى الرسالة فقط لمتاع الدنيا من الجنس والمال في الغنائم والحروب..!
برغم أن كلمة خالصة لك متفقة مع آيات أخرى تقول بحُرمة نكاح زوجات النبي من بعده، وبالتالي "خالصة لك من دون المؤمنين" يعني أصبحت زوجة لك يحرم نكاحها في حياتك – بعد طلاقها – أو بعد موتك، لأنها أصبحت في الأخير (أم المؤمنين) لكن هذا التفسير لم يُعجب أكثرية فقهاء التفسير وقالوا أن المعنى (بدون ولي ولا مهر)
والشيوخ أيضا لكي تصبح رواية البخاري معقولة، تحولت كلمة "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" لكرامة ومعجزة للرسول..فانقلبت الرواية من معناها التشكيكي من عائشة إلى كرامة في ثانية واحدة، وهوب ضابل كيك أصبح حديث البخاري معناه في التراث أنه ومن شدة حب الله للرسول أصبح ينفذ له طلباته ورغباته الجنسية..!..وهو نفس المعنى اللي انتقل لغير المسلمين وفهموه إنه تبرير سخيف لحقيقة شهوانية النبي ، ولو وقفت على رجليك عشان تقنع غير المسلم بغير هذا المعنى لن تستطيع لأن الشيوخ عززوا نفس المعنى وقالوا اللي قالوه الملحدين بالحرف ولكن (بطريقة شيك)..!
الشيخ السوري "محمد بهجت البيطار" 1894 – 1976م اعترف بمجلة المنار أن رواية البخاري شاذة ومهينة للرسول، وليس كما يقول جمهور المفسرين أن معناها طيب..
قال "ولما نزلت هذه الآية قالت عائشة له كلمة شاذة لعلها أشذ ما صدر عنها من إدلال وحب الزوجية وغرارة الحداثة ، قالت له : ما أرى إلا أن ربك يسارع في هواك ، تعني بهواه رغبته وميله النفسي ، فقابل الرسول هذه الكلمة الجريئة النابية عن الأدب بحلمه الواسع حتى علمت عائشة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له أدنى هوى نفسي في هذه التوسعة عليه" (مجلة المنار 32/ 433)
تأمل لفظ الشيخ البيطار "كلمة شاذة نابية"
وهذه حقيقة الرواية التي وضعها البخاري في كتاب بشري من حظ المسلمين العاثر أن أغبياء من بعده جعلوا الكتاب وحي من عند الله، وهذه الكلمة الشاذة النابية صدرت من أم المؤمنين وزوج الرسول وأحد رموز العقلية الإسلامية النسائية، فيكون البخاري قد أنجز في كتابه ما لم ينجزه خصوم الإسلام في الطعن به وتشويه رسوله بهذه الدرجة..
إضافة تعليق جديد