معارضة الداخل تتعهّد دعم الإنتفاضة السلمية وواشنطن تبدي اهتمامها بالحدث
خاضت شخصيات معارضة، أمس، امتحانها الأول في استعراض فكري لما يقارب 200 شخصية مستقلة سياسيا للبحث عن سبل الوصول إلى سوريا «دولة مدنية ديموقراطية»، فتوالى حضور المشاركين الواحد تلو الآخر إلى فندق «سميراميس» وسط دمشق، ليجدوا أن في انتظارهم جيشا من الإعلاميين، بينهم حضور كبير لممثلي الإعلام الرسمي، الذين أرادوا بدورهم خوض التجربة الإعلامية الأولى لمشهد اجتماع رموز المعارضة وسط العاصمة لا خارج البلاد، وذلك بتـواجد لقوى الشـرطة المدنية التي انتظرت عند إحدى زوايا الشارع المؤدي إلى الفندق واحتمت من شمس حزيران بفيء جسر فيكتوريا.
وفي القاعة التي كلف حجزها ما يزيد على ألف دولار بقليل، أخذ البعض مكانه فيما أخذ البعض الآخر وقته في السلام وتجاذب الحديث مع من كان رفيقا في السجن ربما، أو وجها جديدا على المشهد الذي يشكل «ولادة جديدة» لمشهد سبق وتكرر في العام 2002 وسمي «ربيع دمشق»، لكنه يوصف الآن بانه «تاريخي». وأعلن المشاركون في بيانهم الختامي «دعم الانتفاضة الشعبية السلمية التي تريد الانتقال إلى الديموقراطية»، وطلبوا «إنهاء الخيار الأمني». وأدان البيان «التحريض الطائفي وأي ممارسات تشجع على التدخل الأجنبي».
وفي ما يزيد على 50 مداخلة ألقيت، لم يشكك أحد في أن هذا اللقاء جاء نتيجة ضغط الشارع، وأنه وإن كان تنازلا من الدولة فهو تنازل ناتج عن الاحتجاجات، وهي احتجاجات قال كثر انهم لا يؤثرون مباشرة فيها، بل تساءلوا كيف السبيل للتواصل مع الشارع، وكيف يمكن تجنب تخييب أمل من فيه؟ ودعا البعض في هذا السياق إلى المشاركة في الحراك الميداني، فيما دعا آخرون إلى إيجاد طريقة لـ«حماية المتظاهرين»، بينما أبدى البعض الآخر قلقه من عدم تجانس الشارع في احتجاجه واختلاف سقوفه السياسية والاجتماعية عن سقوف المعارضة.
أيضا أكثر المداخلون من إعلان «رفض الحوار» مع السلطة. وإن كان بعضهم يذهب إلى حد رفض الحوار بالمطلق، فإن أكثرهم خبرة يميل إلى الاعتراف بأن الحوار مع الدولة يكون عبر تلبية شروط عدة، أبرزها إعلان إنهاء الحل الأمني والسماح بممارسة العمل السياسي والإعلامي من دون معوقات كما السماح بالتظاهر. ويتفق الجميع تقريبا على رفض التدخل الخارجي بأي صيغة كانت، في موقف يختلف اختلافا تاما مع معارضة الخارج التي تبني على هذا الخيار.
وفيما كان يعلو صوت المعارضين في قاعة الفندق، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن هيئة الإشراف على الحوار حددت 10 تموز المقبل موعدا للقاء التشاوري، الذي يعد للمؤتمر الوطني للحوار، مشيرة في صدر خبرها إلى أن ذلك يأتي استنادا إلى الاقتناع بأنه «لا بديل عن المعالجة السياسية للأزمة في سوريا».
وفي واشنطن، وصف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، اجتماع المعارضة في دمشق بأنه «جدير بالاهتمام»، لكنه أشار إلى ان الاجتماع فقد اهميته بسبب مواصلة الحكومة قمع المتظاهرين.
وقال كارني، رداً على سؤال عما إذا كان اجتماع المعارضة في دمشق دليل على أن حكومة الأسد بدأت تطبّق الرسائل الأميركية وغيرها، «أعتقد أنها نقطة مهمة. لقد أخذنا علماً بهذا الأمر وأعتقد أنها خطوة جديرة بالاهتمام. وكانت ستكون خطوة مهمة وذات مغزى لو تمت من دون تدخل أو تخويف، لأنه أول لقاء من نوعه منذ عقود، لكن يجب أن يتوقف العنف ضد الشعب السوري. يجب أن تكون خطوة يحتاجونها ضمن الحوار حول مستقبلهم، وأن تتم العملية الانتقالية بقيادة النظام أو أن يرحل».
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند قالت «انه حدث مهم، الاجتماع الاول من نوعه منذ عقود»، مؤكدة من جهة اخرى ان العديد من المعارضين على اتصال بالسفارة الاميركية في سوريا.
وفي سياق مختلف شهد «اليوم السوري» أيضا لقاء لافتا للرئيس السوري بشار الأسد مع نائبين، الأول أميركي هو دنيس كوسينيتش والثاني بريطاني من حزب المحافظين هو بروكس نيومارك، حيث وضع الأسد النائبين «في صورة الأحداث التي تشهدها سوريا وخطوات الإصلاح الشامل التي تقوم بها»، مشددا على «أهمية التمييز بين مطالب الناس المحقة التي تلبيها الدولة عبر المراسيم والقوانين التي أقرت وبين التنظيمات المسلحة التي تستغل هذه المطالب لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في البلاد».
وأعرب كوسينيتش ونيومارك وفق «سانا» عن «حرصهما على أمن سوريا واستقرارها الذي يعد ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة».
أما على صعيد العملية السياسية، فأعلنت هيئة الإشراف على الحوار الوطني العاشر من تموز موعدا للقاء التشاوري الذي يهدف إلى «وضع أسس الحوار وآلياته تمهيداً لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني». وأعلنت الهيئة بعد اجتماعها أمس أنها اتفقت على «أولاً: تحديد يوم الأحد 10 تموز موعداً لانعقاد اللقاء التشاوري، وثانياً: توجيه الدعوة إلى جميع القوى والشخصيات الفكرية والسياسية الوطنية لحضور هذا اللقاء. وثالثاً: عرض موضوع التعديلات التي تبحث حول الدستور، ولا سيما المادة الثامنة منه على جدول أعمال اللقاء. ورابعاً: طرح مشروعات القوانين التي تم إعدادها على اللقاء التشاوري وخاصة قوانين الأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية والإعلام».
كما «أكدت هيئة الحوار أنه لا بديل عن المعالجة السياسية بأبعادها المختلفة، وفتح الباب واسعا أمام جميع المواطنين السوريين للمشاركة في بناء مجتمع ديموقراطي تعددي يستجيب لتطلعات الشعب السوري». وكانت الهيئة استعرضت «مجمل الاتصالات التي أجرتها مع مختلف الشخصيات السياسية والفكرية المعارضة والمستقلة في الداخل السوري»، كما تناولت «الحراك السياسي الذي تقوم به الأحزاب والشخصيات الثقافية والسياسية والفكرية، مؤكدة على إيجابياته في رفد الحوار الوطني وإغنائه».
مؤتمر المعارضة
وكان الكاتب لؤي حسين، استهل اللقاء الاستشاري الأول لشخصيات مستقلة من المعارضة، بالقول «نحن نجتمع هنا لنقول قولا حرا لا سقف له ولا حدود سوى ما يمليه ضميرنا من مسؤولية تجاه شعبنا». وأضاف إن «كان راهننا مشوه الصورة فإن غدنا الذي لا نعرف ملامحه، والذي قد يكون أحد احتمالاته انهيار النظام السياسي، فإن علينا أن نعمل معا منذ الآن لما بعد غدنا كي نحول دون انهيار الدولة وانفراط المجتمع». واعتبر أن طريقة تعامل السلطة مع «الحراك التظاهري الاحتجاجي هي ليست أكثر من فعل يعاكس مسار التطور والتاريخ».
بدوره، انتقد الكاتب المعارض ميشال كيلو طريقة الدولة في معالجة الأزمة. وقال «يريدون علاج الأزمة بالنتائج، ولا يرون الأسباب العميقة والجذرية لها»، مشيرا إلى إمكان اتخاذ السلطة مجموعة من الإجراءات التي يرى أنها لا تحتاج الى وقت، موضحا أن «هناك مستوى من المطالب يمكن تطبيقه اليوم ولا يحتاج إلى جهد كبير، إذ يمكن أن يصدر اليوم اعتراف بإنشاء أحزاب لادينية ولاإتنية ولا تدعو للعنف والانقلاب، وذلك كجزء من عملية بناء الثقة، كما يمكن أن يصدر اليوم قرار بأن الدستور المنشود سيكون دستورا لنظام تعددي تمثيلي انتخابي وهذا يعني تجميد أو إلغاء المادة الثامنة من الدستور والتي تقول بأن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع».
وأضاف كيلو «أيضا يمكن إصدار قرار بإنشاء صحيفة للمعارضة يمكن أن تصدر خلال أسبوع». وتابع إن «القضاء يجب ألا يكون تابعا لوزير العدل ولا بد من إيجاد مرجع للقضاء في سوريا، بحيث يتم تعيين خمسة قضاة لديهم رئيس».
وتطرق كيلو إلى الحالة الاقتصادية، قائلا «عانينا من اقتصاد السوق الاجتماعي الذي زاد من نسبة السوريين الذين تحت خط الفقر، كما أسفر هذا النظام الاقتصادي عن تهجير الفلاحين من أراضيهم باتجاه المدن، وأدوا دورا كبيرا في التمرد الاجتماعي في سوريا»، موضحا أن «النظام أبعد الطبقة الوسطى عن السياسة وأحل محلها أجهزته... النظام يجب أن يزول هيكليا، ولا بد من الإقلاع عن فكرة إنتاج المجتمع من السلطة، واعتماد السلطة التي تنتج من المجتمع».
وحول التفاوض بين الحكومة والمعارضة، دعا كيلو إلى «إيقاف الحل الأمني وإبقاء الجيش في مكانه من دون إطلاق نار على أحد، والسماح بالتظاهر السلمي بموافقة وزارة الداخلية لكل الناس»، مشيرا إلى أن من يمسكون بالحل الأمني يريدون تدمير سوريا. وقال لن أساهم بحوار مع النظام ما دام الحل الأمني موجودا «ولو قطعوا رأسي».
كما دعا كيلو إلى إطلاق سراح المعتقلين وإنهاء الاعتقال التعسفي، وإيجاد قناة موحدة للحوار لدى النظام والمعارضة. واعتبر أن طروحاته ليست شروطا بقدر ما هي بيئة للتفاوض، مشددا على ضرورة الاعتراف بوجود أزمة.
من جانبه، قال منذر خدام، في مداخلته، «إما مسار واضح غير قابل للتفاوض والنكوص نحو تغيير سلمي ونحو نظام سياسي ديموقراطي ينقذ الشعب والوطن وإما مسار نحو المجهول وخراب المجتمع». وأضاف «حسمنا خيارنا بالسير مع الشعب ومن لا يرد أن يسير معنا فليسلك طريق الجحيم».
وقال خدام «أي مؤتمر وطني سيكون هدفه وضع إجراءات عملية للتحول الديموقراطي وليس التفاوض على الحلول الوسط فلا حل وسطا بين الاستبداد والديموقراطية»، داعيا إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة إحدى الشخصيات الوطنية والوقف الفوري للعنف ضد المتظاهرين وسحب الجيش والأمن إلى مواقعهما، والكشف عن قتلة المتظاهرين وإغلاق ملف الثمانينيات وإيجاد دستور ديموقراطي وتحديد مدة الرئاسة بولايتين».
من جانبه، دعا المعارض حسن عباس إلى مقاومة الهيمنة على الوطن العربي. وقال «إننا على قناعة تامة بأن ثوابت الشعب السوري سوف تتعزز أكثر في ظل نظام ديموقراطي»، مشددا على أنه «لا حل وسطا بين الاستبداد والديموقراطية».
وقال رجل الدين جودت سعيد إن «السلاح والأمن والقوة لا تحل مشكلة بل صندوق الاقتراع»، فيما انتقد سلمان يوسف، وهو آشوري، عدم تطرق المشاركين للمادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وقال «لا يمكن أن تقام دولة مدنية في ظل دستور طائفي» مطالبا بإلغاء المادتين الثالثة والثامنة التي تنص على أن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع.
من جانبه، قال الكاتب شوقي البغدادي «نحن لا نمثل الشارع فقد سبقنا ولم يعد يحتاج لنا، وأخشى أن تستغل السلطة هذا الملتقى للدعاية لها». وشكك بالرواية الرسمية حول وجود عصابات مسلحة.
بدوره، قال الكردي إبراهيم زور إن «النظام خلق شرخا بين العرب والأكراد، والشعب السوري عانى الكثير من هذا النظام لكن معاناة الأكراد كانت أكثر»، مشددا على أن «الحوار مقبول على أساس واحد هو التغيير السلمي للسلطة».
أما المعارض الكردي فيصل يوسف فقال ان «هاجس أكراد سوريا وشعارهم: الشعب السوري واحد»، مطالبا «بصياغة دستور جديد لكن بصيغة متعددة الأديان والقوميات ولا تفريق بينها وأن تكون القومية الكردية محترمة دستوريا».
أما الباحث حسان عباس فرأى أن «عملية التغيير ستطال أركان بناء الوطن والشعب والمجتمع»، مشيرا إلى ضرورة الاحتكام لمصداقية النخبة المثقفة باعتبارها «شرطا حيويا لتأدية دورها في عملية التغيير»، التي «تستمد مصداقيتها مع تلازم أهدافها مع هدف التغيير وهو الدولة الديموقراطية».
أما الباحث سلامة كيلة فدعا إلى عدم الاستسلام لخياري «أن تتنازل السلطة أو ننقاد لحرب طائفية أو الدمار»، معتبرا أن «منطق التفكير هذا سيؤدي لمواقف منقوصة»، فيما تساءلت الكاتبة جورجيت عطية «كيف نعيد ما نسبته 30 في المئة من الدخل القومي سرقها 100 رجل نافذ للشعب المقهور؟».
أما الشيخ ماجد صلة فكان الوحيد الذي تكلم بالتواصل مع البعد الخارجي ولاعتماد دستور الاستقلال، فدعا المعارضة للانصهار «بكل أطيافها في بوتقة واحدة لتعطي رؤية واضحة لجهتي الداخل والخارج الدولي ليعتمد المعارضة شريكا للنقاش وبديلا للنظام».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد