مصـر تدفـع مبـارك اليـوم خلـف القضبـان

03-08-2011

مصـر تدفـع مبـارك اليـوم خلـف القضبـان

تشهد مصر اليوم حدثا استثنائيا في تاريخها، يمثل نقطة ارتقاء من حالة الثورة الشعبية الى فكرة الدولة العصرية، عندما تنطلق جلسات محاكمة رئيسها المخلوع حسني مبارك و10 من رموز نظامه، من بينهم ابناه جمال وعلاء ووزير داخليته حبيب العادلي، الذين يواجهون تهماً عديدة أبرزها قتل المتظاهرين خلال «ثورة 25 يناير»، في وقت ترددت معلومات متضاربة حول مثول مبارك في قفص الاتهام، وإن كانت التصريحات الرسمية قد أوحت بأن كل شيء بات جاهزاً لنقله من مستشفى شرم الشيخ إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة، حيث ستنعقد المحكمة.
وستكون المحاكمة درسا لاي حاكم او مسؤول مصري، وعبرة لمختلف الطغاة العرب الذين يواجهون شعوبهم، ومؤشرا على ان الثورات العربية ترسي اسس قيام الدولة المدنية الحديثة التي تحتكم الى القانون والمؤسسات.
ويواجه مبارك وبقية المتهمين عقوبة الإعدام، بعدما أدينوا بقتل المتظاهرين خلال الثورة، لكن قليلين يتوقعون تلك النتيجة، التي يريدها شباب الثورة وأهالي الشهداء. أما التهم الأخرى فهي تدور حول عمليات فساد وهدر للمال العام واستغلال السلطة.
وفي مؤشر بارز على التغيير الذي اجتاح مصر في أعقاب الثورة، تم تجهيز أكاديمية الشرطة في ضاحية التجمع الخامس في شرقي القاهرة، التي كانت تسمى «أكاديمية مبارك للأمن»، لتكون مكاناً لمحاكمته أمام محكمة الجنايات. وأقيم قفص اتهام كبير داخل قاعة المحاضرات في الأكاديمية، في ظل إجراءات أمنية مشددة حول المبنى تحسباً لأي تجمعات شعبية محتملة.
وسيمثل مع مبارك للمحاكمة ابناه علاء وجمال، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وستة من كبار ضباط الشرطة السابقين، من بينهم اللواء حسن عبد الرحمن الذي كان مساعد أول للوزير ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة واللواء عدلي فايد الذي كان مساعد الوزير للأمن العام، على أن يحاكم رجل الأعمال، المقرب من الرئيس المخلوع، حسين سالم غيابياً، لكونه مسجوناً في إسبانيا على ذمة قضية غسل أموال.
وذكرت وسائل إعلام مصرية وعربية أن سلطات الأمن المصرية تلقت، يوم أمس، إخطارا بنقل مبارك إلى القاهرة للمثول أمام المحكمة، لكن مصدرا أمنيا نفى ذلك، مشعلا حمى التكهنات حول ما إذا كان الرئيس المخلوع سيحضر الجلسة الأولى من المحاكمة أم يغيب عنها، خاصة أن مصدراً مقرباً منه سبق أن أعلن أن المحامي فريد الديب سيقدم رسالة للمحكمة تفيد بأن موكله غير قادر على حضور الجلسة بسبب وضعه الصحي.
لكن في وقت لاحق، قال مصدر في مطار شرم الشيخ إن مذكرة وردت إلى المطار بأن مبارك سينقل من هناك بين السادسة والسابعة والنصف صباح اليوم بالتوقيت المحلي. وقال مصدر أمني إن طوافة عسكرية ستقل مبارك إذا كان سينقل إلى القاهرة.
يذكر أن آخر التقارير الطبية الواردة من مستشفى شرم الشيخ الدولي، حيث يرقد مبارك منذ نيسان الماضي، تفيد بأن حالته الجسدية جيّدة لكن وضعه النفسي سيئ، غير أن وزارة الصحة أكدت أن الحالة الصحية لمبارك تسمح بنقله.
وقال مصدر في المستشفى إن الطاقم الطبي الخاص بمبارك في وضع استعداد لنقله في وقت مبكر صباح الأربعاء لكنه لا يستطيع أن يؤكد أن قرارا صدر بذلك.
لكن مصدراً طبياً آخر في المستشفى قال إنه من المستحيل ان يستطيع مبارك الحضور إلى قاعة المحكمة سائرا على قدميه نظرا لحالة الوهن الشديد التي تعاني منها عضلات جسمه بالكامل، بالإضافة إلى نوبات الدوار التي تصيبه بمجرد رفع رأسه من وضع الرقود ، نظرا لندرة حركته منذ احتجازه في المستشفى يوم 12 نيسان الماضي. ورجح المصدر أن يحضر مبارك علي كرسي متحرك.
وأعلنت مصادر ملاحية في مطار القاهرة أن ثلاث طائرات مستعدة خلال الساعات المقبلة لنقل مبارك إلى أكاديمية الشرطة. وأوضحت المصادر: «سيتم نقل مبارك من مستشفى شرم الشيخ على متن طائرة مروحية، إما مباشرة إلى مقر المحاكمة، أو إلى مطار شرم الشيخ، ليستخدم الطائرة الثانية، وهي من طراز (سي 130)، أو طائرة مدنية مجهزة طبيا طبقا لحالة مبارك الصحية لتهبط في مطار ألماظة العسكري، ومنها يتم نقله بالطائرة الثالثة، وهي مروحية، إلى مقر المحاكمة في أكاديمية الشرطة .
وذكرت مصادر مســؤولة في مستــشفى شــرم الشيخ إن حالة طوارئ قصوى تم اتخاذها في المســتشفى لتأمين عملية نقل مبارك من مهبط المستشفى عبر طائرة مروحية.
من جهته، أكد مدير أمن جنوب سيناء اللواء محمد نجيب أنه تم وضع خطة تأمين بالتنسيق مع القوات المسلحة لنقل مبارك من المستشفى إلى أكاديمية الشرطة. وشدد نجيب على أن «مبارك سيتم نقله تحت أي ظروف، ولا تراجع عن نقله»، مؤكدا أن مديرية الأمن ملتزمة بتنفيذ ما جاء في إخطار النيابة الخاص بنقل مبارك لحضور المحاكمة في قضية قتل المتظاهرين».
وأضاف نجيب ان السرية التي تحيط بخطة نقل مبارك وموعد تنفيذها «تهدف إلى تأمين عملية النقل بعيدا عن تجمهر المواطنين لحضور هذا الحدث التاريخي، وتلافياً لحدوث أي احتكاكات».
في هذا الوقت، قال المحامي جمال عيد الذي يمثل أسر 16 من بين 850 متظاهراً استشهدوا خلال الثورة، إنه وبعض المحامين الآخرين لم يحصلوا على تصاريح حضور المحاكمة. وأضاف ان المحامين طلبوا الاطلاع على ملف قضية مبارك والتحقيقات التي أجريت معه، لكن طلبهم لم يجب إلى الآن من دون إبداء سبب واضح، حيث سمح لهم فقط بالاطلاع على ملف قضية العادلي، التي ضمت مؤخراً إلى قضية مبارك.
وقال عيد إن «هذا يجعلنا قلقين بالنسبة لجدية المحاكمة. لكننا سنذهب إلى المحكمة، وسنقف خارجها إذا لم يسمح لنا بالدخول».
وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن نحو 200 من المحامين حاولوا اقتحام مكتب القاضي المسؤول عن إصدار تصاريح الحضور احتجاجاً على عدم منحهم التراخيص اللازمة للحضور.
وأشارت الوكالة إلى أن الإجراءات الأمنية شددت في أكاديمية الشرطة والمنطقة المحيطة بها بما في ذلك الشوارع المؤدية إلى المجمع. وأوضحت أن 20 سيارة مصفحة ونحو ثلاثة آلاف جندي سيشاركون في إجراءات الأمن، على أن يضرب طوق أمني مشدد حول الأكاديمية لتأمين مداخلها.
وكان القاضي الذي سيرأس المحاكمة، المستشار أحمد رفعت، قال إن 600 بحد أقصى سيسمح لهم بحضور الجلسة بينهم محامون وأقارب لشهداء الثورة، وصحافيون معتمدون، وبعض أقارب المتهمين وبعض أفراد الجمهور.
وستكون لمحاكمة مبارك، الذي صور نفسه زعيما للعالم العربي، آثار خارج حدود مصر، وسيتردد صداها في منطقة يواجه فيها قادة آخرون طال بهم المقام في الحكم تحديات غير مسبوقة من محتجين أو حركات تمرد مسلحة.
وقال القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» عصام العريان لصحيفة «الأهرام» إن «محاكمة مبارك درس لمرشحي الرئاسة القادمين ليعرفوا مصير كل من يحاول الاعتداء على حرية الشعب والانفراد بالسلطة»، فيما قال المحلل السياسي مصطفى السيد ان المحاكمة تمثل رسالة تحذير لكل الحكام العرب الذين يستخدمون الأساليب التي استخدمها مبارك بأن عليهم ان يحذروا الاحتجاجات الشعبية لأنهم سيواجهون هذا المصير.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر عسكري إن السعودية ودولا أخرى تضغط في هدوء على الجيش حتى ينقذ مبارك حليفها القديم، لكن السفير السعودي في القاهرة نفى خلال حديث مع التلفزيون المصري أي تدخل من هذا النوع، وقال ان علاقة الرياض مع مبارك انتهت يوم تنحيه، وان محاكمته شأن يخص المصريين.
في هذا الوقت ذكر شهود عيان، مساء امس، أن مشاجرة وقعت أمام مستشفى شرم الشيخ الدولي، وأن أعيرة نارية أطلقت بكثافة خلال التشاجر.
وقال شاهد إن المشاجرة وقعت بين بدو وعمال وافدين من صعيد مصر. قالت مصادر طبية إن ثلاثة من العمال الوافدين أصيبوا بجروح خطيرة خلال تبادل إطلاق النار ونقلوا إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي. وأضاف ان أقارب المصاب حضروا إلى المكان واشتبكوا بالرصاص مع البدو وقطعوا الطريق أمام المستشفى وحطموا الحواجز التي تستخدم في تأمين باب المستشفى، مشيراً إلى أن قوات الشرطة التي كانت تقوم بتأمين بوابة المستشفى انسحبت إلى الداخل مع بدء تبادل إطلاق النار.
وتراجعت البورصة المصرية إلى أدنى مستوى في 12 أسبوعا مع قيام المستثمرين القلقين ببيع الأسهم قبل محاكمة مبارك. وقال متعاملون إن المستثمرين يخشون أن يؤدي عدم ظهور مبارك في المحكمة إلى تجدد الاحتجاجات. وقال شامل فهمي، من مؤسسة «فاروس» للأوراق المالية، «توجد ضغوط بيع بشكل عام لأن المستثمرين حذرون ويراقبون ما سيحدث غداً ونتائجه».
وانخفض المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بنسبة 2,1 في المئة مسجلا أكبر خسارة يومية منذ 12 تموز الماضي، وأدنى مستوى إغلاق منذ العاشر من أيار الماضي. وهبط سهما الشركتين الكبيرتين «أوراسكوم للإنشاء والصناعة» و«أوراسكوم تليكوم» بمعدل 2 و5,1 في المئة على التوالي.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...