مصر: معركة «تكسير عظام» بين «الإخوان» والقضاء
شهدت مصر، أمس، جولة جديدة من الصراع بين القضاء، بمختلف هيئاته، وبين جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة وصاحبة الغالبية في مجلس الشورى، بدت أشبه بمعركة «تكسير عظام»، بعدما وجهت المحكمة الدستورية، أعلى الهيئات القضائية، ضربة قوية للجماعة، بقراريها الصادرين، يوم أمس، والمتضمنين عدم دستورية 13 مادة في قانوني «مجلس النواب» و«مباشرة الحقوق السياسية» اللذين أقرهما مجلس الشورى.
وكشفت المواد التي رفضتها المحكمة الدستورية عن فشل لافت في إدارة الشؤون التشريعية من قبل «الإخوان»، إذ كان أبرز ما اعتبرته المحكمة غير دستوري، مسألة حرمان افراد الجيش والشرطة من التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتقسيم الدوائر الانتخابية نسبة إلى عدد سكانها، وتحديد الرئيس موعد الانتخابات، وعدم حظر الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، وتصويت المصريين في الخارج عن طريق البريد، بل إن الأمر وصل إلى حد عدم دستورية إجراء روتيني وتقليدي يقضي بالعمل بالقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
المفارقة هنا أن كل هذه المخالفات القانونية والسقطات الدستورية، رصدتها المحكمة الدستورية استنادا إلى الدستور الجديد الذي حارب «الإخوان» من أجل إقراره قبل أشهر.
وتشكل نقطة السماح لأفراد الجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات «انقلابا» في الموازيين السياسية باعتبارهم طرفا محايدا يمكن أن يراقب الانتخابات.
وقال عضو مجلس الشورى المعارض ناجي الشهابي لـ«السفير» إن «عدد ضباط ومجندي الشرطة والجيش يصل إلى حوالي مليوني فرد، وبالتالي فإن ضمهم إلى الكشوف الانتخابية سيصنع زلزالا سياسيا».
لكن رئيس الكتلة البرلمانية لـ«حزب الحرية والعدالة» عصام العريان قلل من تأثير تصويت الجيش والشرطة في الانتخابات قائلا في تصريحات صحافية في مجلس الشورى «سنفوز بالانتخابات وسنحصل على الغالبية حتى بعد ذلك التغيير».
من جهته، نبّه أستاذ القانون الدستوري في جامعة أسيوط ثروت عبد العال إلى أن قرارات المحكمة الدستورية بخصوص قانوني الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية ملزمة لمجلس الشورى بما فيها السماح لضباط وجنود الشرطة والجيش بالتصويت.
وقال عبد العال لـ«السفير» إن «حرمانهم من ذلك هو أمر غير دستوري، وإن النص في الدستور الجديد على قيام المحكمة الدستورية برقابة القوانين المتعلقة بالمجالس النيابية، قبل إقرارها، هو الذي مكنها من تصحيح هذا الوضع».
اللافت أن رفض المحكمة الدستورية لهذه المواد جاء في اليوم الذي حول فيه رئيس مجلس الشورى أحمد فهمي قانون السلطة القضائية الذي يعترض عليه القضاة إلى»اللجنة التشريعية» لمناقشة القانون مادة مادة، وذلك بعدما أقرت اللجنة العامة مشروع القانون من حيث المبدأ.
وفي حال أقر مشروع القانون بصورته الحالية ـ التي تقدم بها «حزب الوسط» الإسلامي ـ فستتم الإطاحة بنحو أربعة آلاف قاض من مناصبهم، وفتح الباب بضوابط يسهل التلاعب بها أمام تعيين المحامين، وبخاصة المنتمين إلى «الإخوان»، في الهيئات القضائية.
وفسّر مراقبون التحرك «الاستفزازي» من الإخوان تجاه القضاة بأنه محاولة للضغط على المحكمة الدستورية لمنع إصدار حكم يقضي بعدم دستورية القانون الذي تمت بموجبه انتخابات مجلس الشورى، ما يعني وجوب حله.
أما المحور الثالث في الصراع بين الطرفين، فيتجلى في إبعاد المستشار زغلول البلشي من منصبه كمساعد لوزير العدل للتفتيش القضائي، وذل في قرار مفاجئ، بررته وزارة العدل بأنه جاء بناء على طلب من البلشي نفسه لأسباب صحية.
لكن مصادر قضائية بارزة قالت لـ«السفير» إن السبب الرئيسي لإبعاد البلشي من منصبه هو فتح تحقيق في اتهامات من عدد من القضاة للمستشار وليد شرابي، وهو أحد أبرز القضاة الموالين لـ«الإخوان» والمتحدث باسم ما يعرف بـ«قضاة من أجل مصر»، تتهمه بممارسة العمل السياسي خلال عمله في القضاء، وإظهار انتمائه السياسي بالمخالفة للقانون.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن السبب الثاني لاستبعاد البلشي من «التفتيش القضائي» ـ وهي الجهة القضائية الوحيدة الموكل لها بالتحقيق مع القضاة ـ هو رفضه أكثر من مرة فتح تحقيق مع المستشار أحمد الزند، رئيس «نادي القضاة» وأحد أبرز مناهضي حكم «الإخوان» داخل الهيئات القضائية، بتهم تتعلق بفساد مالي لغياب الأدلة الواضحة على ذلك.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد