مسيحيو العراق بين مطرقة الحرب وسندان الأصوليين
حزين هو عيد الميلاد لدى مسيحيي العراق. والذي لم يترك منهم بيته وأرض أجداده، أمضى العيد في منزله مع من بقي من الأصدقاء والأقارب على أمل ألا تهاجمه أو تخطفه جماعات أصولية. أما الذين «هربوا» من أرضهم، فهم الآن منفيون بين سوريا والأردن، والأوفر حظاً بينهم قُبل طلبه للهجرة وتوجه نحو إحدى البلدان الاسكندنافية.أكبر مجموعة من مسيحيي العراق تسكن اليوم في دمشق، فسوريا البلد الوحيد المحاذي للعراق الذي يستقبل سكانه ويعطيهم على الحدود تأشيرة صالحة لثلاثة أشهر.
تسكن معظم العائلات المسيحية العراقية في منطقة الجرمانة، التي تحولت، منذ بضعة أشهر، الى بغداد مصغرة، فرائحة «الكباب العراقي» و«تكا» الدجاج تملأ الأجواء. وأعطيت للمقاهي أسماء تذكّر بالوطن القريب البعيد، والاعلانات على أبوابها تروّج للتمور الآتية من البصرة ولـ«من السما» الموصلي. كل شيء هنا يذكّر بالعراق، ولكن المار قد يستغرب اللغة المحكية وصور القديسين الصغيرة المعلقة على مداخل المنازل. المستأجرون الجدد لشقق هذه الأحياء المتواضعة هم من الآشوريين العراقيين، وهم لاجئون، تركوا العراق خلال الأشهر الماضية بعدما أصبح الوضع لا يحتمل، فالحرب والمتفجرات حوّلت حياة جميع العراقيين الى جحيم يومي يعيشونه حالما يخطون على الطريق. أما التهديدات والخطف وطلبات الفدية والقتل على الهوية فقد نقلت الجحيم الى داخل البيوت.
ويشرح أبو جرجس قائلاً «كنا مدركين تماماً أن وضعنا سيسوء عندما يصل الأميركيون إذ إننا قد اتهمنا بحبنا لهم حتى قبل الحرب. غريب كيف ان بعضاً من العراقيين نسي أننا منهم وجعل ديننا هويتنا. وساءت الأوضاع مع الحرب، وبدأ التطاول على الأرزاق والكلام المهين، وكانت الأمور صعبة بالطبع، ولكنها لم تكن خطيرة، الى ان وصل المبشّرون الأميركون الذين أرادوا (هداية المسلمين إلى طريق الصواب)».
ويضيف أبو جرجس «بدأت المشاكل باستهداف الكنائس بالقنابل الحارقة. حاول رجال الدين والمسؤولون عبثاًَ شرح الفرق بين كنائسنا وكنائسهم (المبشّرين)، ولكن لم يجدِ ذلك نفعاً. وبات الشحن الطائفي جزءاً من الحياة اليومية».
والكنائس العراقية من الكنائس الأولى في الشرق، فبدايتها كانت في القرن الأول بعد المسيح، ومسيحيو هذا البلد من المحافظين المتشددين على تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم. فهم يتكلمون الآرامية في بيوتهم وكنائسهم وهي اللغة التي كان يتكلم بها المسيح. وكنائسهم لم تتبع التقويم الكاثوليكي أو أي من الكنائس الأوروبية الأخرى بل كان همّهم البقاء في أرضهم على الرغم من كل الصعاب.
تقول مريم، وهي طالبة في السنة الرابعة في كلية الطب ببغداد، إنها «كبرت في بيئة علّمتها كيف تتأقلم مع كل الأحوال. فمنذ بدأت الجمعيات الأصولية بالهيمنة على الشارع وهي تبقي في محفظتها على حجاب تغطي به شعرها إذا ما دعت الحاجة».
هرب أهل مريم من بيتهم في بغداد تحت جنح الظلام. الوضع في الشام بالنسبة إلى هذه العائلة أفضل بكثير منه في بغداد، فلا قتل، ولا قنابل ولكن يبقى التخلص من الخوف المزروع في القلب أصعب بكثير إذ قلما يخرج الأولاد من المنزل. ويقول أرشد إنه «خلال فترة حكم صدام حسين، كنا نخاف من الجواسيس الذين قد يشون بنا فنختفي. ومن ثم أتت الحرب ومعها القتل على الهوية. فنحن لا نعرف طعم الحياة من دون خوف».
ويذكر أرشد أنه في أحد الأيام استوقفه «حاجز طيار»، وقال «هؤلاء يقتلون حسب الطائفة التي يستنتجونها من الاسم. فعندما طلب هويتي ارتعبت ولكنه عندما قرأ اسمي ابتسم لي وقال أنتم محظوظون إذ إنكم خارج معارك القتال. ولكن كان هذا قبل رسوم الكاريكاتور الدنماركية وخطبة البابا التي قلبت المقاييس رأساً على عقب وأصبحنا نحن الهدف».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد