مرضى القلب إلى المجهول في سوريا
كان يحتضن طفله المريض، وعيناه على باب المشفى الوحيد الذي كان يستقبله مجانا، فإن أغلق في وجهه سيكون عليه أن يدفع ما يعادل رواتب خمس سنوات مقابل عمل جراحي.
لم يبد أي اهتمام لأي سؤال قدر ما كان يبحث هو عن أجوبة، ونظراته يوزعها بين طفله مريض القلب وباب المشفى المجاني الوحيد الذي توقف عن استقبال مرضى القلب، ليتحول إلى معالجة حالات كورونا:
منذ أيام اتخذت الحكومة السورية قرارا بتحويل مشفيي: جراحة القلب، والشرطة، إلى متخصصة باستقبال مرضى كورونا فقط، وهو ما أثار تساؤلات لدى الكادر الطبي، والمرضى، خاصة أن الآلاف ينتظرون على قائمة دور تمتد لستة أشهر في مشفى جراحة القلب.
تعد عمليات القلب في سوريا من الأكثر تكلفة، وتعادل أجور عملياتها أضعاف وسطي الأجور في ظل الأوضاع الراهنة من تدهور الدخل، وقد تصل إلى أرقام "فلكية" في المشافي الخاصة (بين 10 إلى 20 مليون ليرة حسب بعض التقديرات)، وحتى في المشافي الحكومية فإنها تعادل أجور موظف لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. (وسطي الأجور 50 ألف ليرة).
عدد من الكوادر الطبية في المشفى تساءلوا لماذا يخصص المشفى المجاني الوحيد في البلاد لعلاج كورونا؟ ويغلق في وجه المرضى إلى حيث لا بديل سوى دفع الملايين.
ومما قاله بعضهم لـ RT إن القرار لم يلحظ مصير المرضى المنتظرين على طابور العمليات، إضافة إلى أن المشفى لن يستطيع أن يشكل فارقا مهما في علاج كورونا، إذ أن طاقته الاستيعابية لا تتعدى 30 مريضا، وهو رقم جيد بالنسبة لمرضى القلب، لكنه قليل بالنسبة لمرضى كورونا.
وأضاف أحد العاملين هناك أن المشفى غير مجهز أصلا ليستقبل حالات تنفسية حادة، ولا توجد في كثير من غرفه ساعات أكسجين وهو غير قادر على عزل عدد مقبول من المرضى.
مؤقت .. ورهن بتطور الإصابات
مدير مشفى جراحة القلب حسام خضر قال لـ RT: إن القرار اتخذه الفريق الحكومي المعني بالتصدي لكورونا، وأعضاء الفريق لديهم نظرة أشمل، فهناك مريض بحاجة عناية، وآخر بحاجة عناية أشد، وقال إن ثمة دولا أغلقت أنشطة واتخذت إجراءات لمواجهة كورونا، و"أكيد الفريق المعني الحكومي الصورة أوضح لديه، ونحن جزء من المنظومة الصحية"
وأشار إلى أنه قد تكون للقرار بعد فترة سلبيات أكثر من إيجابياته، أو العكس وهذا ما لا نستطيع أن نحكم عليه في اللحظة الراهنة، وأضاف أن الإجراء مؤقت، ورهن بتطور الإصابات بكورونا.
وحول المرضى الذين ينتظرون على الدور، قال إنه يمكن تحويلهم إلى مشاف أخرى كمشفى الأسد، أو الباسل، المتخصص بأمراض القلب، وأشار خضر إلى أن الأطفال خارج المعادلة إذ أن علاجهم سيبقى متواصلا في مشفى الأطفال.
وعن المرضى الآخرين يقول إن ثمة تصنيفات منها الإسعافي، وهذا يُقبل فورا، ويحضر للعمل الجراحي، وهناك مريض وضعه عاجل، يحتمل أسبوعين أو شهرا، وهذا يمكن أن يراجع المشافي الأخرى، و"حسب توصيات الفريق الحكومي يجب أن يستقبلوه"، وهناك مريض حالته باردة ويمكن أن تحتمل تأجيلا، هذا ممكن أن ينتظر ومشفى جراحة القلب سيعود إلى العمل ربما أسبوعا أو اثنين أو شهرا.
ولكن حتى في المشافي الحكومية يجب على المريض أن يدفع وبأرقام كبيرة؟ يقول خضر إن تكلفة العملية في مشفى الباسل بحدود 300 ألف ليرة، وهذه العملية تكلفتها في المشافي الخاصة بحدود 8 ملايين ليرة.
أحد العاملين في مشفى الباسل أكد لـ RT أن تكلفة العمليات البسيطة هناك تعادل فعلا 300 ألف، لكن هذا يشمل القسم العام في المشفى، ويشير إلى أن نسبة "العمومي" في المشفى لا تتجاوز 20 في المئة، أما الباقي فيدفعون في القسم الخاص وبأجور تعادل 700 ألف ليرة وسطيا، وترتفع التكلفة إلى نحو مليون ونصف أو مليوني ليرة في حالة تطلب العمل مستلزمات كتبديل صمام مثلا.
بالملايين
وحول ما يقدمه مشفى جراحة القلب للمرضى يقول جراح القلب فادي محمود لـ RT إن المشفى هو الوحيد المجاني في البلاد، وتجرى فيه عمليات نوعية تتراوح تكلفتها في المشافي الخاصة بين 10 إلى 20 مليون، كما تصل أجرة عملية توسيع الشبكات إلى 4 ملايين ليرة، لشبكة واحدة، وفي حال الشبكتين قد تصل إلى 7 ملايين ليرة.
ورغم أن الأجور في المشافي الحكومية أقل، كما يضيف، إلا أنها تبقى تشكل عبئا على كثيرين.
تلك العمليات كما يقول محمود يقدمها مشفى جراحة القلب مجانا، وحتى في القسم الخاص فيه (الذي تُجرى عملياته يومي الجمعة والسبت) فإن ما يدفعه المريض أقل من المشافي الأخرى وحتى الحكومية.
وعلى ذلك يقول إن المشفى ملجأ للمرضى الفقراء غير القادرين على إجراء عمليات قلب لا في المشافي العامة المأجورة ولا في المشافي الخاصة.
خسارة لمرضى القلب
ويقول طبيب لم يرغب بذكر اسمه لـ RT إنها ليست المرة الأولى التي تتم فيها محاولة إغلاق المشفى أمام مرضى القلب، ويشير إلى أنه أثيرت منذ فترة مسألة إغلاق قسم الأطفال في المشفى، وعمليات جراحة قلب الأطفال هي الأكثر دقة وهي أيضا الأعلى تكلفة، وقد تصل أجورها في المشافي الخاصة إلى عشرات ملايين الليرات.
ويضيف أن ثمة جوانب مهمة كان يفترض دراستها قبل قرار تحويل المشفى لحالات كورونا، الأول يتعلق بوضع المرضى الذين لن يجدوا أمامهم سوى القطاع الخاص، حيث لا يوجد أي ضابط على الأجور هناك، وأبسط عملية للأطفال تكلف في "الخاص" 7 ملايين ليرة، حدا أدنى، وبالنسبة للكبار فإن أبسط علمية مجازات إكليلية، لا تقل عن 6 ملايين ليرة في أرخص المشافي الخاصة.
وقد تصل الأجور في بعض المشافي إلى 30 مليون ليرة، وحتى في المشافي الحكومية على المرضى أن يدفعوا وسطيا نحو مليوني ليرة.
الجانب الآخر يتعلق بالمشفى ذاته، فحجمه صغير (ثلاث طوابق) وفي طاقته القصوى يمكن أن يستقبل نحو 26 مريضا، وليس مثلا بحدود 100 مريض، كما يفترض كي يكون مناسبا لعلاج كورونا، كما أن أجهزة التنفس الصناعي التي تعمل في العناية فيه لا تزيد عن عشرة.
وعليه يقول: إن المشفى لن يكون قادرا على تقديم خدمات كبيرة لمرضى كورونا، وفي الوقت ذاته سيحرم مرضى القلب من العلاج فيه وهو الوحيد المجاني.
وثمة جانب لا يقل أهمية، يضيف، وهو أن أفراد الكادر الطبي والتمريضي فيه متخصصون بنوع محدد من الأمراض، وهي أمراض القلب، وبعضهم يقوم بعمل تخصصي منذ عقود، فكيف سيتحول ليعالج مرضى تتطلب أمراضهم اختصاصا آخر؟
ويختتم بالتعبير عن أمله بألا تطول فترة تحويل اختصاص ذلك المشفى الذي انطلق منذ نحو خمسين عاما وكان أول مركز متخصص يقدم خدمات نوعية مجانية لمرضى القلب خاصة غير القادرين على دفع الملايين في المشافي الخاصة.
أسامة يونس
إضافة تعليق جديد