مجلس الشعب السوري : البرلمان المسحور! (1)
يخفي الموقف من الانتخابات البرلمانية السورية التي حددت في الثالث عشر من الشهر القادم، أسرارا كثيرة يتناقلها الناس دون حذر، وقد سمعنا جزءا منها في وسائل الاعلام الرسمية، ومن أطرفها رأي تقول : لانريد لعضو البرلمان أن ينام في مجلس الشعب!
والغريب أن حرب السنوات الخمس التي مرت على سورية جعلت السوريين يكسرون هذه السرية في التعاطي في الشأن السياسي والديمقراطي، فهم يتحدثون علانية، وتراهم يحتجون في الطرقات والأسواق ووسائل النقل، ويطرحون اسئلة العارفين حول الديمقراطية والفساد فإذا بهم يرتاحون من البوح، وإذا بهم يفاجؤون بأن لا أحد لهم بالمرصاد : لا الشرطة ولا المخبرين ولا المخابرات، بل على العكس قد يتم تبادل وجهات نظر عفوية مع هؤلاء !..
وحول رأي الكثيرين، التلقائي، بالشخصيات التي ظهرت في المعارضة الخارجية على شاشات التلفزيون والتي ألقت على نفسها، أو ألقي عليها، ((قيادة التغيير في البلاد))، نلاحظ وفقا لما نسمعه أنهم لايخفون وصف هذه الشخصيات بعدم امتلاكها لسلوك ديمقراطي لا اجتماعي ولا سياسي، بل ولايرون أي منطقية في طرحها للحل السوري الفعلي والوطني!
تسأل، فيجبك الناس علانية عن الديمقراطية والسياسة وكأنهما شيء يثير الابتسامات، ولا تخفي كل الأطراف لا الموالاة ولا المعارضة ولا المتورطون ولا المهجرون ولا الخارجون عن سيطرة الدولة أن الديمقراطية جعلتهم يدفعون ثمنا كبيرا في هذه السنوات التي مرت، وهم بغنى عنه، فكانت البلاد بألف خير قبل الحرب، فلماذا يدفع السوريون مليون شهيد وعشرة ملايين مهاجر وترليون دولار لتغيير نظام لن يأتي أفضل منه ؟!
وجاء في برنامج تلفزيوني عبارة مهمة جدا تقول : (( إن الناخب سيحيط صندوق الاقتراع بيده ويضمه إلى صدره ليحميه لأنه تحت حجة الديمقراطية أحرقوا الأخضر واليابس في سورية، وتحت حجة الربيع العربي صارت خيام الصحراء تتدخل بأشجار الغوطة وتعمل لتقليمها! )).
وهذا الكلام، يحمل من المعاني والرسائل أكثر مما يعرفه المراقب الخارجي بكثير، فالمواطن السوري عانى من العثمانيين أربعمائة سنة ومن الفرنسيين أكثر من ربع قرن ومن الانقلابات نحو عشرين سنة ومن المؤامرات والأحلاف طوال العمر.. بل إنه عانى أيضا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي من الفساد ومن الاقطاع ومن الرأسمالية، ومن الاشتراكيين أيضا، وعندما تذكر كل عبارة من هذه العبارات التي تدل على مرحلة تاريخية محددة ستقف عند حكايات لا تنتهي من المعاناة ..
وعندما نقرأ في الصحافة السورية أن هناك 11341 مرشحاً تقدموا بطلبات ترشيح ، وأن في القنيطرة وحدها هناك 50 مترشحة منهن وأن المترشحات من اختصاصات دراسية متنوعة منها دكتوراه هندسة زراعية ودكتوراه فلسفة ولغة عربية وآداب وشريعة ومعلم صف وحقوق وتربية وأهلية تعليم ودبلوم تأهيل تربوي ومعهد متوسط وثانوية بمختلف اختصاصاتها وإعدادية..
وعندما تقرأ أن هناك مرشحا رفضت اللجان ترشيحه لأنه لايعرف القراءة ولا الكتابة ..
وعندما تقرأ أن المكفوفين وذوي الإعاقات الخاصة مدعوون في الانتخابات القادمة للإدلاء بأصواتهم وتحديد مواصفات مرشحيهم..
عندها فقط ستقف بذهول أمام الحقيقة الصادمة أن السوريين ينتظرون الفرصة التاريخية لتجاوز المأساة .. وستتعرف أن هناك شيئا ما ينمو داخل البلاد مرده إلى أنهم يعتقدون، أن العملية الديمقراطية لاتستأهل حرب السنوات الخمس وأن من السهل التعامل مع هذا الهم الذي اسمه الديمقراطية، فنحن ((نعرفه)) ونعرف ((خفاياه)) من البرلمان الأول بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية ، ونعرفه مع برلمانات فرنسا ، ونعرفه في كل المراحل فهو صيغة تبني عليها اللعبة السياسية في شكل الحكم في كل مرحلة، وقد تجد جوابا واحدا يشعل هواجس التاريخ دفعة واحدة من مواطن عادي يسألك :
ماذا كان سيفعل الربيع العربي في البرلمانات العربية غير وصول ناس آخرين ينامون في المجلس بالاتكاء على ذراع اليد اليمنى بدلا من الاتكاء على ذراع اليد اليسرى ؟!
(( يتبع .. ))
في الحلقة التالية : سنتعرف على تاريخ الحياة البرلمانية السورية منذ انعقاد المؤتمر السوري الأول عام 1919 .
عماد نداف:بوابة الشرق الأوسط الجديدة
إضافة تعليق جديد