كيف وقعت محطة NTV في فخ الصديق
مَن بدا كاذباً مساء أول من أمس: تلفزيون الجديد أم “الشاهد الملك” في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري... محمد زهير الصدّيق؟ هذا هو السؤال الذي يؤرق الزميل فراس حاطوم، بعدما أطل وحيداً مساء الثلاثاء مع استوديو فارغ من باريس، متحدثاً بغضب وتوتر ملحوظين عن “معاناته” مع الصدّيق واصفاً إياه بالكاذب.
كاذب حتى اللحظة الأخيرة، يكرر حاطوم ذلك. لأنه حتى اللحظة الأخيرة كان لا يزال يتوقع أن يفي الصدّيق بوعده، ولو لمرة. صحيح أنه تلقى منه رسالة على هاتفه، منـــــــــتصف ليل الاثنين ــ الثلاثاء، يعلن فيها رفضه المشاركة مبرراً: “لم أتبلغ مكان المقابلة لذلك أعتبرها ملغاة. حدّد قبل 48 ساعة كما اتفقنا سابقاً. أنت نكست الاتفاق”. إلا أن حاطوم توقع أن تكون هذه مناورة يخدع فيها الصدّيق مراقبيه، ثم يطل في الموعد المحدد له: “صدقت هذا التحليل لأنني اتصلت بصحافي في صحيفة “السياسة” الكويتية على صلة بالصدّيق، وأكد لي أنه أخبره بأنه سيطل معنا مساء الثلاثاء حسب الاتفاق”. ولذلك استمرت “نيو تي في” في بث إعلانها الترويجي لموعد المقابلة، متمسكة بصوت الصديق، وهو يؤكد عبر الهاتف: “سوف أعرض الثلاثاء كل المستندات”.
حيال هذه الوقائع، فإن قلق حاطوم من صدى ذلك “المقلب”، قلقه على سمعة المحطة... قد يكون مبرراً. والسؤال الذي يقلقه: “من بدا كاذباً؟” قد يكون الأهم. أما السؤال الذي قد يطرح نفسه على متابع حيادي، غير خاضع للتوترات التي ينتجها غياب ضيف عن مقابلة على الهواء (أياً كان السبب) فهو الآتي: إلى أي حد يمكن الصحافي أن “يهادن” مصدره من أجل الحصول على خبر؟ وخصوصاً عندما يكون المصدر أمنياً، تحميه مخابرات فرنسية. ومن يدري عدد أجهزة المخابرات الأخرى التي تلاحقه؟
الإجابة عن هذا السؤال يمكننا استخلاصها من مغامرة حاطوم، الصحافي الشاب مع أول خبر “خبطة” له. إنها فرصة لمن هو في سنه، وخصوصاً بعد نجاحه في تقديم تغطية مميزة للعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
بدأت القصة منذ تلك الصدفة التي جعلت حاطوم يجيب على اتصال هاتفي من محمد زهير الصدّيق في تلفزيون “الجديد”. جاء هذا الاتصال تعليقاً على طلب رئيس الجمهورية إميل لحود استرداد الصديق من فرنسا، متعهداً منحه عفواً خاصاً إذا حكم القضاء اللبناني عليه بالإعدام في 4 تـــــــشــــــرين الأول (أكــــــتوبر) الفائت.
ذلك اليوم تحدث الصديق مع حاطوم، كما أرسل للمحطة عبر البريد الإلكتروني إثباتات تؤكد هويته، وهي صورة لجواز سفره، إضافة إلى تأشيرة خروجه من سوريا... وقال الصديق لحاطوم إنه مستعد لعرض كل المستندات التي في حوزته، واعداً بإرسالها عبر البريد الإلكتروني خلال يومين، لكنه لم يف بوعده. حاطوم الطامع بالخبر، اتصل بالصديق مطالباً بتحقيق الوعد الذي كرره الصديق، لكن الشرط كان مجيء فراس إلى فرنسا، إضافة إلى شرط ثان هو الطلب إلى “نيو تي في” عدم التطرق إلى أخباره إلى أن يدلي بما لديه، وهكذا كان.
تحمس حاطوم، وبدأ معاملاته للحصول على تأشيرة سفر إلى فرنسا. وعندما حدد موعد سفره في 1 تشرين الثاني (نوفمبر)، قال له الصدّيق إنه قد لا يعطيه مقابلة... وإنه يفضل أن يطل عبر اتصال هاتفي على الهواء ليقول ما لديه. رفض فراس متذرعاً بأنه مراسل إخباري لا مقدم برامج، وبالتالي لا يستطيع استضافته: “كنا نرغب في مقابلته للحصول على مستندات، على خبر حقيقي”.
في فرنسا، لم يعد ممكناً تعداد الوعود الكاذبة. تلـــــــــــك الوعود عرضها حاطوم في تقريرين أعدهما، مثل تخلف الصديق عن أكثر من موعد بينهما... إلى أن التقيا في مطعم “التقطنا خلاله صورة يتيمة تؤكد أننا التقيناه، هي الدليل المادي الوحيد على صدق روايتنا”.
بعدها اختفى محمد زهير الصديق، ولم يعد يجـــــــــــــيـــــــب على هاتفه. محامي الصديق كـــــــــان البديل، وأكد لحاطوم أنه لن تُجرى مقابلة “لأن المستـــــــــــــنـــــــــدات الموجودة ليست للعرض عـــــــبر الإعلام، بناء على تمنٍّ من لجنة التحـــــــــــــقــــــــــيق الدولية”، ناصحاً فريق العمل بالعودة إلى لبنان.
العودة لا تعني الاستسلام. أعدّ حاطوم حلقتين عن زيارته إلى فرنسا. بث الأولى، واتصل بالصدّيق الذي كان غاضباً من بثها، مبرراً اختفاءه بمرضه، وباعتداء تعرض له منزله... وكرر وعده بإجراء مقابلة. ومجدداً صدّقه حاطوم وأجل بث الحلقة الثانية من التقرير في انتظار المقابلة التي لم تأت.
فراس حزين لأنه لم ينجح في الحصول على سبق: “لم أستطع تقديم مادة تؤثر جدياً في موضوع التحقيقات المتعلقة باغتيال الرئيس الحريري. هذا صحيح. لكنني أستطيع أن أقول للناس من هو الصديق بناء على تعامله معي”... لكنّه ــ وهنا الأهمّ ــ لن يستسلم: “رغم كل ما حصل، ما زلت مستعداً لمحاولة جديدة مع الصديق... في حال كان يملك فعلاً المستندات التي تؤكد صدقه... وإلا فسأوجّه البحث في اتجاهات أخرى”. حماسة، هي من مميزات الصحافي الناجح طبعاً... لكن، هل تكون ميزة حقاً في بلد مثل لبنان؟
مهى زراقط
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد