كيف حافظت دمشق على نظافتها؟
تشكل النظافة عنوان أي حضارة ومؤشراً على تقدم البلاد. ومن خلال نظرة بسيطة اليوم على دمشق مدينة «الياسمين» مازلنا نجدها تتمتع بمستوى لائق من النظافة في شوارعها وساحاتها وحدائقها وما زالت تفوح منها كل صباح رائحة الياسمين، التي لم تستطع كل قذائف الحقد أن تطغى على عطرها الفواح على الرغم من كل ما تعرضت له البلاد نتيجة هذه الحرب القذرة والتراجع الكبير في جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية، إلا أننا لم نجد أي تراجع في مستوى النظافة في العاصمة.
اليوم تضاعف عدد سكان مدينة دمشق من 4 ملايين نسمة إلى نحو عشرة ملايين نسمة نتيجة لجوء الملايين من السوريين من جميع المحافظات السورية إلى هذه المدينة وتضاعفت الكثافة السكانية أكثر من ضعفين. هذه الحال أدت إلى مضاعفة كمية النفايات بالزيادة السكانية نفسها حيث تصل كمية النفايات السنوية إلى أكثر من مليون طن وبمعدل وسطي يومي بحدود 3 آلاف طن بعد أن كانت في عام 2011 بحدود 2000 طن يومياً. كل ذلك أمام تراجع في عدد عمال النظافة والآليات والتجهيزات. كل هذه القضايا كانت محور الحديث مع مدير النظافة في مدينة دمشق عماد العلي الذي تحدث قائلاً: تقسم مدينة دمشق إلى 27 مركزا لخدمات النظافة إضافة إلى المركز الإداري والمالي الموجود في مجمع دوائر الخدمات لمدينة دمشق. وأهم أقسام مديرية النظافة هو قسم الآليات الثقيلة وهو مؤلف من الشاحنات والقلابات والتركسات والضاغطات، ويوجد في قسم الآليات الثقيلة بحدود 200 آلية من مختلف الأنواع ونسبة جاهزية الآليات للعمل هي بحدود 50% أي إن هناك بحدود 100 آلية ثقيلة موجودة يومياً في العمل وهناك جزء من الآليات في الصيانة وفور انتهاء صيانتها يتم زجها في العمل وإدخال آليات أخرى إلى الصيانة. وتعمل هذه الورديات على مدار الساعة من خلال 3 ورديات صباحية وبعد الظهر ومسائية. وتقوم هذه الآليات بجمع وترحيل القمامة من المدينة وفق خطة عمل محددة وموزعة على جميع القطاعات بحيث يتم إفراغ الحاويات في كثير من المناطق 4 مرات يومياً.
وهناك قسم الكانسات الذي يضم 30 كانسة آلية تعمل أيضاً على 3 ورديات يومياً وتقوم بأعمال كنس الشوارع الرئيسة التي لا يمكن لليد العاملة العمل فيها وذلك خلال ساعات محددة بحيث يتم اختيار الزمن الذي تكون فيه الشوارع اقل ازدحاما. وهناك قسم آخر يتبع لمديرية النظافة هو قسم الشطف ومن خلاله يتم شطف البعض من شوارع المدينة وبشكل خاص في الوسط والأسواق ومناطق إصلاح السيارات وغيرها من الشوارع التي تترك الفعاليات التجارية أو الآليات بقايا عليها لا يمكن إزالتها بعمليات الكنس وذلك في يوم الجمعة، وحين تدعو الحاجة إلى ذلك حيث بلغت كمية المياه التي شطفت فيها الشوارع في النصف الأول من هذا العام أكثر من 156 ألف م3. ليس هذا فحسب بل يقوم هذا القسم بتزويد بعض الأحياء ومراكز الإيواء والمؤسسات الحكومية والمشافي بالمياه عند الحاجة حيث تم تزويد هذه الأماكن بكمية 226 ألف م3 خلال النصف الأول بالماء لتلبية احتياجاتها.
ويقوم هذا القسم خلال وقت قياسي بإزالة آثار الدمار والحوادث الإرهابية والعادية وهذا ما بات معروفا لدى جميع أهالي دمشق بسرعة تعامل عناصر النظافة مع كل هذه الحالات وكان لنا دور مهم في الحريق الذي تعرضت له منطقة العصرونية من خلال ترحيل الأنقاض وتنظيف المكان. وكل ذلك تطلب من عناصر النظافة جهدا كبيراً.
القسم الأخر من أقسام مديرية النظافة هو قسم الصيانة الذي يقوم بصيانة الحاويات الموجودة في مدينة دمشق التي يتجاوز عددها 6 آلاف حاوية حيث يتم إجراء الصيانة لهذه الحاويات بحيث لا نضطر إلى إجراء أعمال الصيانة في القطاع الخاص وبالتالي توفير مبالغ كبيرة. وعن قسم ترحيل القامة يبين العلي قائلاً: يعتبر قسم الترحيل العمود الفقري في أعمال النظافة حيث يتم تشغيل أكثر من 21 قلاباً وتريلا في ترحيل القمامة على مدار الساعة من جميع القطاعات إلى وادي السفيرة حيث يوجد مقلب القمامة.
وعن وضع عمال النظافة في مدينة دمشق أوضح العلي قائلاً: كان عدد عمال النظافة قبل الأزمة في عام 2011 6 آلاف عامل في وقت لم يكن يتجاوز عدد سكان دمشق 4 ملايين مواطن اليوم عدد سكان العاصمة يتجاوز 10 ملايين مواطن وعدد عمال النظافة تراجع إلى 3 آلاف عامل. وهذا وضعنا أمام رهان كبير حيث أصبحنا مضطرين لأخذ أكبر قدر ممكن من الإنتاجية من العامل. وما يساعدنا في هذه المسألة الوعي الكبير والالتزام من جميع العمال واقتناعهم أنهم جزء من هذه المعركة وعليهم دور كبير يجب أن يقوموا به وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء بين عمال النظافة الذي وصل إلى 120 شهيداً في مدينة دمشق وهناك 250 مخطوفاً وأكثر من 500 مصاب. والسبب أن عامل النظافة يقف في الخط الأول مع الجيش العربي السوري. وهناك أعمال إرهابية دنيئة طالت عمال النظافة فقط لأنهم عمال نظافة. وهناك الكثير من العبوات الناسفة التي كانت توضع في الحاويات ويذهب ضحيتها عمال النظافة وكان لعمال النظافة دور مهم وكبير في مواجهة الأعمال الإرهابية وإزالة آثار الاعتداءات الإرهابية. وعن المقابل الذي يقدم لهؤلاء العمال بين العلي قائلاً: إن هناك دعماً لا محدوداً من المحافظ لعمال النظافة ولكن كل ذلك محكوم في القوانين المعمول بها حيث يتم منحهم مخصصات من البيض والحليب والسلل الغذائية والتعويض المحدد بـ75% من الراتب بالنسبة للوردية المسائية و58% من الراتب بالنسبة للوردية الصباحية ومتوسط الراتب لعامل أمضى 20 في الخدمة يصل إلى نحو 40 ألف ليرة سورية. ونتيجة التقاعد والوفاة تراجع عدد العمال بشكل كبير ولا يوجد أي عقود جديدة لأن التوظيف متوقف منذ 5 سنوات.
وعن النفقات التي يتم صرفها على كل مواطن في مدينة دمشق أوضح العلي أنه على الرغم المستوى العالي من النظافة الذي تحظى به مدينة دمشق وبشهادة كل من زارها من خارج القطر وبالرغم من الارتفاع الهائل في الأسعار والخدمات ما زالت نفقات النظافة لا تتجاوز 2.2 ليرة لكل مواطن يوميا وهي أرخص دولة في الشرق الأوسط حيث يتم حساب هذه الكلفة على عدد سكان 4.5 ملايين نسمة وليس على 10 ملايين كما هو الواقع. وعلى الرغم من هذا الرقم المتواضع جداً لا تتم استعادة سوى جزء بسيط منه من المواطن من خلال الرسم المحدد على فاتورتي الكهرباء والماء.
محمود الصالح
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد