كما في تونس مصر تفرض قانون الطوارئ مجدداً بعد سقوط 3 قتلى و 1049 جريحا
أكدت مصر التزامها الكامل اتفاقاتها الدولية، بما في ذلك تأمين كافة البعثات الديبلوماسية الأجنبية، وذلك في أعقاب اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة ليل الجمعة - السبت. وقررت الحكومة إحالة المتهمين في هذا الحادث على محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وتطبيق النصوص القانونية المتاحة في قانون الطوارئ خلال الفترة المقبلة للحفاظ على الدولة وهيبتها.
وكان المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد في مصر عقد اجتماعاً مشتركاً مع مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عصام شرف، وذكر التلفزيون المصري أن المجلس العسكري رفض استقالة شرف. وسبق الاجتماع المشترك اجتماع طارئ لمجموعة الأزمة الوزارية برئاسة شرف لاستعراض تداعيات أحداث العنف التي شهدتها مناطق عدة في القاهرة أول من أمس، ومنها اقتحام السفارة الإسرائيلية، والاعتداء على مبنى وزارة الداخلية، ومحاولة اقتحام مديرية أمن الجيزة. وخلّفت الاشتباكات أمام السفارة ثلاثة قتلى و1049 مصاباً، فيما تم اعتقال 38 متهماً في اقتحام السفارة.
وألقى وزير الإعلام أسامة هيكل بياناً أصدره المجلس العسكري بعد الاجتماع المشترك مع الحكومة جاء فيه إن «مصر شهدت أمس (أول من أمس) يوماً عصيباً أصاب جموع المصريين بالألم والقلق وبات واضحاً أن تصرفات البعض أصبحت تهدد الثورة المصرية وأدت للمس بهيبة الدولة في الداخل والخارج، وأمام هذا الوضع الخطير اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع مجلس الوزراء المصغر وتمت مناقشة الأزمة وأبعادها في الداخل والخارج».
وأوضح هيكل أن «مصر تتعرض لمحنة حقيقية، وهو ظرف استثنائي يستوجب مواجهته بإجراءات قانونية حاسمة»، مشيراً إلى أن «البعض استغل ضبط النفس الواضح من جانب الأمن في التعامل مع المتظاهرين وحاول استفزازه بصورة غير مسبوقة»، مشدداً على أن ما حدث خروج واضح عن القانون «ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوصف من ارتكبوا هذه الأعمال بأنهم شرفاء». وقال: «ما حدث أدَّى للمس بصورة مصر أمام المجتمع الدولي وأضر بمصالحها وهو أمر لم يعد ممكناً التجاوز عنه». وأكد أن المجلس العسكري قرر اتخاذ الإجراءات القانونية لإحالة المقبوض عليهم ومن يثبت تورطهم بالتحريض أو المشاركة في الأحداث على محكمة أمن الدولة طوارئ، مشيراً إلى أن الهدف كان وقف العمل بقانون الطوارئ في الفترة المقبلة، لكن سيتم تطبيق كل بنوده.
وناشد القوى الوطنية والسياسية ووسائل الإعلام تحمل مسؤولياتها في مواجهة ظاهرة الانفلات الأمني وعدم السير في ظاهرة التحريض لمحاولة إثبات الوجود وإرضاء فئة من المجتمع على حساب أمن الوطن كله. وأضاف: «من الآن وصاعداً ستتخذ أجهزة الأمن ما يلزم من إجراءات قانونية للتصدي لأعمال البلطجة وتأمين المنشآت واستخدام صلاحياتها القانونية كافة، بما في ذلك حقها الشرعي في الدفاع عن النفس حفاظاً على أمن الوطن».
اقتحام السفارة ... والأرشيف
وكانت أحداث اقتحام أحد المقرات التابعة للسفارة الإسرائيلية في القاهرة بدأت بشكل دراماتيكي، فبعد أن توجه الآلاف إلى مقر السفارة وهدموا جداراً أنشأته القوات المسلحة لحماية السفارة، تسلّق نحو 4 أو 5 شبان البناية التي تضم مقر السفارة، وأنزلوا علم إسرائيل من شرفة السفارة للمرة الثانية، قبل أن يتسلل شبان لإحدى الشقق التابعة للسفارة والمخصصة أصلاً لحفظ أرشيفها من وثائق ومستندات، وقاموا بالعبث بمحتوياتها وألقوا الوثائق على المتظاهرين المتجمعين أسفل السفارة.
وكادت أن تندلع اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية الموجودة في محيط مقر السفارة والمتظاهرين أثناء هدمهم للسور، ما دعا وحدات الجيش إلى الانسحاب من المنطقة لئلا يتطور الأمر إلى اشتباكات بين الطرفين إثر إلقاء عدد من المتظاهرين الحجارة عليهم، واكتفوا بالتمركز عند مدخل البناية التي تضم مقر السفارة، وتركوا مهمة تأمين المنطقة لقوات الشرطة التي اشتبك معها المتظاهرون بالحجارة، وذلك قبل أن تتقهقر قوات الشرطة أمام المتظاهرين الذين أحرقوا آليات تابعة للشرطة أمام مقر السفارة، وسعوا أيضاً إلى اقتحام مقر مديرية أمن الجيزة القريب منها، ما سبب ارتباكاً للشرطة.
وبعد انسحاب غالبية قوات الجيش والشرطة من منطقة السفارة، تمكّن عدد من المتظاهرين من التسلل إلى إحدى الشقق التابعة للسفارة من خلال البناية المجاورة للبناية التي تضم مقر السفارة التي تشغل الأدوار 17 و18 و19 منها. ودخل عشرات الشبان إلى الدور 17، وهو مخزن لأرشيف السفارة، وظلوا يجولون فيه وكتبوا على جدرانه «تسقط إسرائيل ... تحيا مصر ... الوحدة العربية ... الحرية لفلسطين»، ثم توجهوا إلى غرفة تضم مئات الاوراق وألقوها من شرفة الشقة على المتظاهرين.
وتضم هذه الأوراق بيانات وصفت بالسرية عن أرصدة بنوك وتعاملات مع الحكومة المصرية، وتحوي إحداها على طلب من السفارة الإسرائيلية عام 2003 موجه الى وزارة الداخلية لإنهاء إجراءات زيارة أهل الجاسوس عزام عزام له في سجن طرة. كما تشيد وثيقة أخرى بالتعاون الزراعي، وثالثة تطلب فيها السفارة إنهاء إجراءات ترخيص سلاح لأحد حراسهاـ إضافة الى وثائق أخرى تشكر فيها السفارة وزارة الداخلية على جهود تأمينها في مناسبات سابقة.
الأمن يحمي 6 موظفين إسرائيليين
وظل الشباب أكثر من ساعة في مقر السفارة، وأفيد أن سلطات الأمن نفذت عملية لتحرير 6 موظفين تابعين للسفارة كانوا موجودين في الطبقتين العلويتين لئلا يفتك بهم المتظاهرون. واستطاع عدد من هؤلاء الشباب مغادرة مقر السفارة من خلال الشرفة ذاتها التي دخلوا منها واعتقل آخرون. وقال مصدر أمني لـ «الحياة» إن سكاناً في البناية المجاورة لمقر السفارة ساعدوا المقتحمين في تنفيذ فعلتهم عبر السماح لهم بالوصول إلى سطح بنايتهم القريب جداً من شرفة الشقة التي تضم مخزن أرشيف السفارة. واتهم مصدر أمني جهات خارجية بالتورط في أحداث السفارة الإسرائيلية.
وأثناء انشغال قوات الأمن بالسيطرة على الوضع المتفجر أمام مقر السفارة، تصاعدت ألسنة اللهب من داخل مديرية أمن الجيزة القريبة من مقر السفارة بسبب احتراق آليات تابعة للشرطة بداخلها. وتجمع مئات المتظاهرين أمام مقر المديرية وسعوا إلى اقتحامها، غير أن أكثر من 20 آلية تابعة للجيش توجهت إلى مقر المديرية لحمايتها وحالت دون اقتحامها. ودخلت قوات الشرطة في معركة استمرت طوال ساعات الليل مع المتظاهرين في محاولة لتفريقهم، واستخدمت الغاز المسيل للدموع وأطلقت العيارات النارية في الهواء وظلت تشكيلات الشرطة تسعى الى تفريق المتظاهرين من خلال الكر والفر حتى أن منطقة السفارة والمديرية بدت كأنها ساحة حرب بعد أن هدأت الأمور مع ساعات صباح أمس، إلا أن المئات حاولوا التجمع مجدداً أمام المديرية، غير أن قوات الجيش كانت تسلمت المنطقة وفرقتهم بالقوة. وكان المتظاهرون ألقوا قنابل على قوات الشرطة، ولوحظ أن بحوزتهم أوقية رأس ودروع خاصة بمجندي الأمن المركزي، واستولى أحدهم على سلاح آلي خاص بالشرطة، غير أن آخرين سلموه لقوات الجيش. وأحبطت أجهزة الأمن محاولة اقتحام مبنى المديرية بعد أن أغلقت كل أبوابها.
3 قتلى و1049 جريحاً و38 معتقلاً
وخلّفت الاشتباكات أمام السفارة ثلاثة قتلى و1049 مصاباً، فيما اعتقلت الشرطة العسكرية التابعة للجيش 38 متهماً في أحداث اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية ومحاولة اقتحام مديرية أمن الجيزة وأحالتهم على النيابة العسكرية للتحقيق معهم. وبعد انتهاء الاشتباكات، ساد هدوء حذر محيط مقر السفارة الإسرائيلية بعد انسحاب كل وحدات الشرطة منه وانتشار فرق للقوات المسلحة التي أعادت فتح الطرق وحركة المرور.
اتهام جهات أجنبية
وأعلنت وزارة الداخلية رفع درجة الاستعدادات الأمنية بين صفوفها، وأصدر وزير الداخلية منصور العيسوي أوامر بإعلان حال الاستنفار الأمني. وتنصلت كل الحركات الشبابية من حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية، وحمّل بعضهم فلول النظام المسؤولية عن الحادث، فيما أشار آخرون إلى تورط جهات أجنبية. ونددت جماعة «الإخوان المسلمين» بالأحداث التي شهدتها السفارة الإسرائيلية والاعتداء على وزارة الداخلية وحرق مبنى الأدلة الجنائية والعدوان على مديرية أمن الجيزة والاصطدام بالجنود وحرق بعض المركبات، وطالبت بالتعجيل في إجراءات نقل السلطة من المجلس العسكري إلى السلطة المدنية المنتخبة. وشددت في بيان على ضرورة وضع خريطة زمنية محددة للمسيرة الديموقراطية والانتقال إلى السلطة المدنية من دون إبطاء أو تأخير، وهو ما يقطع الطريق على القوى الداخلية والخارجية التي تسعى الى إجهاض الثورة.
وقالت الجماعة إن التباطؤ والتساهل في حقوق الشهداء من الجنود الذين قتلهم الصهاينة على الحدود وعدم اتخاذ موقف حاسم والتردد في مسألة سحب السفير المصري، والغطرسة الصهيونية برفض مجرد الاعتذار، وكذلك إنشاء جدار خرساني كبير حماية للسفارة من أهم الأسباب التي أدت إلى انفجار الشعور الوطني في نفوس المصريين، وعلاج ذلك يكمن في استجابة السلطة، سواء كانت السلطة الموقتة الآن أو السلطة المدنية المقبلة، لإرادة الشعب واحترام كرامته.
وغادر السفير الإسرائيلي اسحق ليفانون وعدد من الديبلوماسيين الإسرائيليين وأسرهم القاهرة مساء أول من أمس على متن طائرة خاصة، فيما تولى القنصل الإسرائيلي في القاهرة تسيير أعمال السفارة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قوله لإذاعة الجيش امس إن إسرائيل تريد إعادة سفيرها إلى مصر قريباً، موضحاً: «نطلب إعادة سفيرنا إلى القاهرة قريباً في ظل ترتيبات أمنية مناسبة».
.
أحمد رحيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد