كابوس عالم اللاهوت

21-03-2021

كابوس عالم اللاهوت

تأليف: برتراند رسل - ترجمة: محمد أحمد السيد


استغرق عالم اللاهوت البارز الدكتور ثاديوس في نوم عميق، فحلم أنه مات وصعدت روحه إلى السماء في طريقها إلى الفردوس. وبسبب دراساته اللاهوتية لم يجد الدكتور ثاديوس صعوبة في التعرف على طريقه إلى الملكوت. طرق باب الجنة، لكنه واجه فحصًا وتدقيقًا فاق توقعاته. توسل قائلًا: "أرجو السماح لي بالدخول، فقد كنت إنسانًا صالحًا 

كرست حياتي في تمجيد الخالق". "إنسان؟" تساءل خازن الجنة، "ماذا تعني بهذه الكلمة؟ وكيف يمكن لكائن غريب يثير الرثاء مثلك أن يفعل أي شيء يعزز مجد الرب؟" عقدت الدهشة لسان الدكتور ثاديوس، لكنه قال: "بالتأكيد لا يمكن أن تكون جاهلاً بهوية الإنسان. لعلك تدرك أن الإنسان هو أسمى صنائع الخالق". قال الخازن: "يؤسفني أن أجرح مشاعرك، لكن ما تقوله أمر لم أسمع به من قبل، بل وأشك في أن أي من الموجودين هنا سمع من قبل بهذا الشيء الذي تدعوه "إنسانا". ومع ذلك، ونظرًا لأنك تبدو بائسًا تثير الإشفاق، فستتاح لك فرصة استشارة أمين مكتبة الجنة".

سلط أمين مكتبة الجنة، وهو كائن كروي له ألف عين وفم واحد، بعض عيونه المتعددة على الدكتور ثاديوس، وخاطب الخازن قائلًا "ما هذا؟". أجاب الخازن: "هذا الكائن" يقول إنه عضو في نوع يسمى "الإنسان" يعيش في بقعة تُسمى "الأرض". يؤمن بفكرة غريبة مفادها أن الخالق يهتم بشكل خاص بذلك المكان وبتلك الأنواع من الكائنات. اعتقد أن بمقدورك أن تساعدنا لإماطة اللثام عن هذا اللغز. "حسنًا"، قال أمين المكتبة بلطف لعالم اللاهوت، "لعل بإمكانك أن تدلني عن موضع ذلك المكان الذي تدعوه "الأرض". قال عالم اللاهوت، نعم، إنه جزء من النظام الشمسي. "وما هو النظام الشمسي؟" سأل أمين المكتبة. أجاب عالم اللاهوت، بقليل من الارتباك،  لقد كان تخصصي هو معرفة الأمور الدينية المُقدسة، أما سؤالك فيتعلق بالمعرفة الدنيوية الثانوية. ومع ذلك، فقد عرفت من أصدقائي علماء الفلك ما يكفي لأن أخبرك بأن النظام الشمسي جزء من مجرة درب التبانة. "وما هي مجرة درب التبانة؟" سأل أمين المكتبة. "يا إلهي، درب التبانة واحدة من المجرات، التي قيل لي إنه يوجد منها ما يجاوز المائة مليون. "حسنًا" قال أمين المكتبة ، "لا يمكنك أن تتوقع مني أن أتذكر واقعة من بين ملايين الوقائع، لكني أتذكر أنني سمعت كلمة مجرة من قبل. في الواقع، أعتقد أن أحد أمناء مكتبات السماء الفرعية متخصص في شئوون المجرات. دعونا نرسل في طلبه ونرى ما إذا كان بإمكانه مساعدتنا".

بعد بُرهة قصيرة، ظهر أمين المكتبة الفرعية المتخصص في شئوون المجرات. كان أمين المكتبة على صورة شكل ثلاثي الأبعاد، وله اثنا عشر وجهًا مسطحًا. من الواضح أن سحنته كانت في وقت ما ناصعة براقة، لكن غبار الأرفف جعلها مُعتمة مُبهمة. أوضح له أمين المكتبة أن  الدكتور ثاديوس، في محاولته لتعريفنا بأصله وموطنه، ذكر لفظ المجرات، ومن ثم فنحن نأمل في الحصول على معلومات عن ذلك الأمر من قسم المجرات في المكتبة. قال أمين المكتبة الفرعية: "حسنًا، أظن أن معرفة  ذلك الأمر تتطلب بعض الوقت، إذ نظرًا لوجود مائة مليون مجرة، لكل منها عالم خاص بها، فالعثور على أي جِرم من الأجرام يستغرق بعض الوقت. فما الذي يرغب في معرفته هذا الكائن الضئيل الغريب؟ أجاب الدكتور ثاديوس متلعثمًا "إنها تلك المجرة التي تسمى درب التبانة". قال أمين المكتبة الفرعية: "حسنًا، سأحاول جاهدًا العثور عليها".

بعد حوالي ثلاثة أسابيع، عاد أمين المكتبة الفرعية ليوضح أن فهرس البطاقات فائق الفعالية في قسم المجرة بالمكتبة مكّنه من تحديد موقع المجرة برقم QX 321762. قال: "لقد كرسنا جهود الموظفين الخمسة آلاف في قسم المجرة لهذا البحث. ربما ترغب في رؤية الموظف الذي اهتم بتلك المجرة المعنية؟" أرسلوا في طلب الموظف الذي اتضح أن له ثماني أوجه وعينًا في كل وجه وفم في أحد تلك الوجوه. لقد ألجمته المفاجأة والدهشة عندما وجد نفسه واقفًا في تلك البقعة المضيئة المتلألئة، بعيدًا عن الظلال القاتمة لأرفف مكتبته. جمع الدكتور ثاديوس شتات أفكاره وسأل في شيء من الخجل، "ما الذي ترغب في معرفته عن مجرتي؟ أجاب أمين مكتبة مجرة درب التبانة  "أردت معرفة النظام الشمسي، فعرفت أنه مجموعة من الأجرام السماوية تدور حول أحد النجوم في مجرتك، ويطلق على ذلك النجم الذي تدور حوله اسم الشمس"، ثم أضاف في شيء من الضجر "كان من الصعب عليً الوصول إلى المجرة الصحيحة، أما الوصول إلى النجم الصحيح في المجرة فأمر بالغ الصعوبة. أعلم أن هناك حوالي ثلاثمائة مليار نجم في المجرة، لكن ليس لدي أي معرفة بكيفية تمييز أحدها عن الآخر. ومع ذلك، أعتقد أنه في وقت من الأوقات، طلبت الإدارة قائمة بمجمل أسماء الثلاثمائة مليار نجم، وهي لا تزال مُخزنة في سرداب الطابق السفلي. إذا كنت تعتقد أن الأمر يستحق، فسوف أكلف البعض من الموجودين في (المكان الآخر) للبحث عن هذا النجم على وجه التحديد ".

تم الاتفاق على أنه بما أن السؤال قد أُثير ولأن الدكتور ثاديوس كان يعاني بشكل واضح من بعض الهم والضيق، فقد يكون هذا هو المسار الأكثر حكمة.

بعد مرور عدة سنوات ، جاء كائن رباعي الأوجه في غاية الإرهاق والكآبة وقدم نفسه لأمين مكتبة المجرة قائلًا: "لقد اكتشفت أخيرًا النجم الذي تبحثون عنه، لكنني في حيرة من أمري لأنني لا أدري سبب الاهتمام به. إنه يشبه إلى حد كبير الكثير من النجوم الأخرى في المجرة نفسها. فهو نجم متوسط الحجم ودرجة الحرارة، وهو محاط بأجسام أصغر منه بكثير تسمى "كواكب". بعد تحقيق دقيق، اكتشفت أن بعض هذه الكواكب، بها طفيليات، وأعتقد أن هذا الكائن (يقصد دكتور ثاديوس) الذي يطلب البحث أحد تلك الطفيليات".

عند هذه النقطة، انفجر الدكتور ثاديوس في نوبة من الرثاء والعويل قائلًا بانفعال: "لماذا، لماذا، لماذا أخفى الخالق عنا نحن سكان الأرض البائسين أننا لم نكن وراء دوافعه لخلق السماوات؟ لقد خدمته طوال حياتي الطويلة، بجد وإخلاص، مؤمنًا أنه سيجزي خدماتي ويكافئني بالنعيم الأبدي. والآن، يبدو أنه لم يكن يدرك حتى أنني كنت موجودًا. أنت تخبرني بأنني حيوان متناهي الصغر موجود في جسم ضئيل يدور حول عضو تافه مغمور من مجرة قوامها ثلاثمائة مليار نجم، تعد بدورها واحدة فقط من بين ملايين عديدة. لا أستطيع تحمل ذلك، ولم يعد بإمكاني أن أعبد خالقي. حسنًا، قال الخازن، "إذن يمكنك الذهاب إلى (المكان الآخر)."

وهنا استيقظ عالم اللاهوت وهو يغمغم قائلًا "حقًا إن سلطان الشيطان على خيالنا وشعورنا الباطن لمُرعب بالفعل."

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...