قضايا الأمن الغذائي في سوريا
أصبحت قضية الغذاء الآمن والصحي تأخذ أبعادها في معظم دول العالم عبر اطلاق الكثير من التحذيرات المنبهة للتأثيرات الممرضة الخطرة على صحة الانسان.. ومنها الاخطار الكيميائية والميكروبيولوجية والفيزيائية، حيث تؤكد الدراسات العلمية ان 90٪ من الامراض يمكن ان تعالج من خلال التغذية السليمة والتوعية الجيدة وذلك بعد ان استطاعت تلك الدراسات الربط بين الامراض والاغذية.
وفي مواجهة هذه التحديات الصحية اخذ الاهتمام الكبير يتزايد سواء من قبل الدول ام المنظمات العالمية المختصة بصياغة النظم والآليات لرفع سوية الثقافة الغذائية للمستهلك وايجاد الوسائل المناسبة لترويج وتعزيز التدابير الوقائية لضمان تمتع المستهلكين بأغذية صحية وسليمة اضافة لسن التشريعات الغذائية التي تضبط هذا النوع من الصناعات ومنتجاتها وتحمي المستهلك من اي مخاطر صحية.
وفي ضوء تعدد المنتجات الغذائية المصنعة وغير المصنعة وتماثلها لدرجة يزيد عدد (الماركات) للنوع الواحد منها عن عدد اصابع اليدين وربما اضعاف ذلك والتي نشاهدها باستمرار على ارصفة الطرقات وفي واجهات المحلات وبشكل مخالف لأبسط شروط التخزين، اضافة لعدم القدرة على معرفة حقيقة ومصداقية تصنيعها وجودتها ومدى مطابقتها للمواصفات والمقاييس، وعدم التمكن من التحقق الفعلي لتاريخ الانتاج والانتهاء.. في ضوء ذلك يغدو من الملّح التنبيه في ظل محدودية وفعالية الجهات الرقابية والعلمية وغياب المرجعيات المحايدة الى ما نسمعه من المهتمين بقضية الجودة في الصناعات الغذائية والذي لا يدعو للتفاؤل والارتياح، إذ ان هيئة المواصفات والجودة لا تمتلك أي صلاحيات للقيام بأي دور، كما ان عددم وجود جهة تتبنى المتابعة والبحث وترك الأمر لاصحاب الشركات، وربط جمعية حماية المستهلك بشكل او بآخر بوزارة الاقتصاد ابطل فعاليتها وحيّدها الى حد كبير.. يطرح العديد من التساؤلات.
واذا كان الامر متروكا لنظام ادارة الجودة والمتمثل بالحصول على شهادة الايزو 9001 فإن ما يحكى حول هذا الموضوع أياً كان يستطيع الوصول، لذلك فيه من القلق والخطورة ليكون دافعاً للتقصي والتأكد وكما سمعنا أيضاً فإن الحصول على شهادة الايزو يبقى نوعا من (البريستيج) اذا لم يتم الجمع بينها وبين نظام سلامة الاغذية العالمي المعروف بـ(HACCP) ليكوّنا معاً منهجاً علمياً وعملياً لعمل الشركات العاملة في الصناعات الغذائية والسؤال هنا: كم عدد تلك الشركات التي تطبق فعلياً هذين النظامين في سورية؟ فالعبرة كما يقال بالتطبيق.
إن مسألة الجودة ليست كلمة فارغة او شعاراً بل هي جودة الاداء والممارسة والتفكير والأهم قناعة تامة من ارباب العمل بضرورة تقديم منتج غذائي آمن وسليم خال من أي مخاطر ممرضة وهذه القناعة لها ولا شك فوائد لا يمكن الوصول اليها من دون صرف اموال ليست بالقليلة لأن الجودة- حسب رأي أهلها- في الصناعات الغذائية هي غير الجودة في باقي الصناعات، إذ ان السمعة الطيبة هي المفتاح التسويقي الأول في الأسواق المحلية والعالمية التي تشهد منافسة قوية ان لم نقل شرسة.
وعليه فإن الغذاء الآمن يفترض تشاركية في المسؤولية بين الحكومة والصناعيين والمستهلك، ولا يمكن ترجمة ذلك إلا من خلال آلية متكاملة عمادها الأنظمة والقوانين الواضحة والرقابة المستمرة والمتابعة الميدانية الدائمة.
وحسب رأي الدكتور دارم طباع عميد كلية الطب البيطري وخبير منظمة الصحة العالمية في مجال الأمراض المشتركة وسلامة الغذاء فإن الغذاء ليس هو المشكلة وانما المشكلة فيما يصله من ملوثات اثناء الزراعة او خلال تجهيزه وتعليبه وتخزينه وفي مدى مطابقة المنتج الغذائي للشروط الصحية.
أما الدكتور وائل حتاحت عميد كلية الخدمات الطبية قسم التغذية في جامعة القلمون فيقول: ان المواد المصنعة باتت تستحوذ على قطاع استهلاكي كبير يتنامى وتتنامى معه الاخطار لذلك من الضروري دعم حملات التثقيف الصحي في ظل تزاحم المنتجات الغذائية ذات المصادر المعروفة وغير المعروفة.
من جانبه أكد المهندس ميلاد عربش مدير ادارة جودة وسلامة الغذاء في شركة دلتا للصناعات الغذائية الدور الخجول للجهات الحكومية المختصة في موضوع سن التشريعات وتفعيل دور مؤسساتها الى جانب غيابها لأي دعم مادي او معنوي لحملات التوعية الغذائية والصحية التي يقوم بها القطاع الخاص «المهتم» بسمعة منتجه وسمعة الصناعة الوطنية، فحملة شركته «أكلك صح- صحتك تمام» ذات البرامج المتعددة والمتنوعة الهادفة لرفع سوية ثقافة المستهلك الغذائية وتعزيز الامن الغذائي لافراد المجتمع، سجلت غياباً لأي جهة حكومية ولو حتى بنوع من الرعاية، مشيراً الى اهمية الدور الحكومي في سن التشريعات الغذائية والقيام بالبحوث العلمية اضافة لتوعية المستهلك وضرورة ذلك في الزام المنتجين والمصنعين لتطبيق معايير الجودة في جميع المراحل.
وأخيراً فإن التوءمة بين الجودة والسلامة من الصناعات الغذائية تهدف لثلاثة: صحة المستهلك وشهرة جيدة للمنتجات الوطنية وسمعة صناعية للبلد في الأسواق الخارجية، وهذه الاهداف بقدر ما يعمل عليها بقدر ما تخول صناعتنا من المنافسة، والسؤال لماذا يغيب الحضور الحكومي عن هكذا فعاليات وعن هكذا اهداف، ولماذا لا يكون هناك تشجيع لأي مبادرة خاصة.. اذ ان الهدف الاسمى يتجاوز حدود المصلحة الخاصة إلى العامة فالعالمية.
قسيم دحدل
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد