قبل عيد القديس فالنتاين

11-02-2007

قبل عيد القديس فالنتاين

ماذا دهى خريجة الأكاديمية البحرية، مهندسة الفضاء، الرائدة الأميركية في مكوك "ديسكوفري"، الشابة الحلوة الذكية، ليزا ماري نوفاك، لتنقلب فجأة من نموذج تقتدي به فتيات المدارس الطموحات، الى متهمة بمحاولة خطف وقتل؟ وما الذي أدى بها الى السجن الإحتياطي والخروج بكفالة مالية، مطأطئة الرأس الذي حجبته بسترة تجنباً لعدسات المصورين النهمة الى كل إشارة في وجهها المرهق الضائع؟
هذه المرأة البالغة 44 عاماً، (المولودة في 1 أيار 1963، أي من برج الثور لمن يهوى تحليل الشخصيات بحسب الكواكب)، المتزوجة من رفيق صفها في سنة البحرية، الأم لصبي في سن المراهقة، وفتاتين توأمين في السادسة، كانت في تموز الماضي على متن مكوك الفضاء "ديسكوفري" في مهمة الى محطة الفضاء الدولية المعلقة في مدار حول الأرض، تعمل على تشغيل الذراع الآلية الضخمة للمحطة، وكانت أيضاً في أحد أيام تشرين الثاني الماضي تصرخ وترمي الصحون في وجه زوجها على مسمع من الجيران، كما قالت إحدى جاراتها. وكانت أيضاً وأيضاً في الأسبوع الماضي تقطع بسيارتها مسافة 1500 كيلومتر بين هيوستن وأورلاندو، مرتدية حفاضات رواد الفضاء، لئلا تضطر الى التوقف في دورات مياه على الطريق، بل في محطات وقود فحسب، ووجهتها الوصول الى امرأة زاحمتها على امتلاك قلب رجل هو رائد فضاء زميل لها.
كانت المرأة الأخرى، في سيارتها في مرأب المطار حيث تعمل مهندسة طيران برتبة نقيب لحظة وصول نوفاك اليها. ولم تكن تدري ان لها غريمة مزودة اكياساً من النايلون وشريطاً لاصقاً ومسدساً وسكيناً ومطواة حربية، تنوي مفاجأتها بالمادة المخدرة في وجهها، كما فعلت نوفاك، وربما خطفها وقتلها! لكنها تمكنت بفضل نباهتها من الإفلات من المرأة المصممة على اقتراف امر مؤذٍ. وقد اعتقدت "بطلتنا" ان عملها الخارق في الفضاء يمكّنها من القيام بأي شيء على الأرض! لكنها وجدت نفسها اخيراً في قبضة الشرطة، وانقلبت حياتها رأساً على عقب في انتظار المحاكمة والسجن، ولن يشفع لها حتى القديس فالنتاين. فهي، ربما، كانت تسرع الى إزاحة غريمتها قبل اقتراب موعد عيد الحب لتخلو لها الساحة. وكانت النتيجة خسارتها كل شيء: بيتها، مهنتها، والحبيب الموعود!
ألغت وكالة الفضاء والطيران الاميركية "ناسا" مهمتها المقبلة المقررة في آذار والتي كانت ستتولى فيها عملية الإتصال والتخاطب مع رواد في مهمة فضائية. وانفصلت مطلع السنة الجارية عن زوجها، تاركة أولادها مع أبيهم. ومع انها وصفت للشرطة علاقتها بزميلها رائد الفضاء بأنها "أكثر من زمالة وأقل من علاقة رومانسية"، لكنها في الحقيقة تريده وتخطط للحصول عليه. وقد عثرت الشرطة في سيارتها على رسالة كانت ستوجهها الى الحبيب تعبّر فيها عن حبها له.
هذا الحادث الأول من نوعه الذي هز وكالة الفضاء الأميركية في صميم نظامها، لتخلفها عن التقاط مكامن خلل نفسي بين العاملين الكبار لديها، كان يمكن ان يتسبب بحوادث أكثر خطورة مما حصل. وسارعت صحف ووسائل إعلام أميركية الى تحليله ومحاولة فهم ظروفه، ومنها مثلاً ان رواد الفضاء هم في النهاية أناس عاديون وليسوا سوبر بشر. ومنها أيضاً ان الضغوط المهنية تتجاوز الحدود احياناً، وخصوصاً عند النساء المتزوجات اللواتي يتعذر عليهن التوفيق بين متطلبات المهنة وحاجات أسرهّن. ويعتقد محللون نفسيون ان الذين يقومون فجأة بأعمال ميؤوس منها خارج نمط حياتهم الطبيعي، هم عادة أشخاص مكبون على أعمالهم، لا ينالون قسطهم الوافر من النوم، ولا يمارسون أي نشاط ترفيهي.
لكن هنا امرأة قادت سيارتها مسافة طويلة جداً، وهي مدركة تماماً خطة سيرها وماذا تنوي ان تفعل. نزلت في فندق قريب من مكان عمل غريمتها، وانتظرتها في وقت كانت تعرف انها ستجدها فيه. وهناك امرأة لا تعرف على الإطلاق ماذا يخبىء لها القدر، وتجهل ان ثمة عدوة تكرهها ومصممة على إيذائها. وفي هذا السياق سؤال يخطر في البال: كم من أشخاص يخططون لتعريض آخرين للأذى، لأسباب نفسية خاصة بهم أخطرها الغيرة، ولا يعلم عنها المستهدفون بالأذى شيئاً؟ ولئن كانت هذه الحادثة فردية، فالحياة ملأى بمثيلاتها، فردياً وجماعياً ودولياً، وتتأرجح دائماً بين الحب والكراهية، ولن يتمكن حتى القديس فالنتاين من حل أحجيتها!.

مي ضاهر يعقوب

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...