في موت الرجل الذي من لوننا، ستبهت ألوان كثيرة
الجمل ـ بشار إبراهيم :لم يكن موت أحمد زكي مفاجئاً، بل هو من طراز الموت الذي ضرب موعداً مع صاحبه، منذ سنة على الأقل، ومع ذلك كان موتاً فاجعاً..
فما بين لحظة إعلان الموعد، المحمول على أكفّ المرض العضال، ولحظة الانطفاء الأخيرة، كان ثمّة الكثير من الأمل في تبديل المواعيد، أو تأخيرها، أو التحايل عليها، ما أمكن ذلك!..
وفي تلك المسافة، كانت محاولات الفنان الكبير في مقاومة المرض، مسلَّحاً بحبّ الناس، وعواطفهم، وكف أدعيتهم الناهض إلى السماء..
وفي تلك المسافة، أيضاً، كانت المحاولة الإبداعية الأخيرة، من خلال العودة (متعبّداً) إلى محراب الكاميرا السينمائية، لتصوير فيلم «حليم»..
عام مضى على رحيل أحمد زكي. تماماً، كأنما رتَّب أشياءه، وحزم أمتعته، ورمى تلويحة الغياب، هناك عند منعطف الموت، ومضى!..
ولم يكن مفاجئاً أن نكتشف، لحظة غيابه، تماماً، أنه ترك فينا الكثير!..
دائماً، كان أحمد زكي «رجلاً من لوننا». فيه الكثير من نبض أحلامنا، من وجعنا، والكثير من الكلام الواقف على حافة اللسان، خائفاً ومرعوباً من أن يُقال، وأكثر خوفاً ورعباً من أن يظل مسكوتاً عنه..
من تراه لم ينتبه إلى نبرة الحزن العميق، الساكنة في عينيه، وفي رفّة الرمش القلقة؟!..
من فقر، وقهر، وتعب، جاء.. ليرجّ الساكن في السينما العربية، وليعيدها من انزياحها إلى حيث يجب أن يكون..
لم يغيِّر أحمد زكي من نمطية البطل في السينما العربية، فقط، بل لعله ارتقى بالإنسان العادي إلى مصاف البطولة، وهذا مجده..
مجده أنه كان واحداً من هؤلاء الناس المرميين على قارعة رصيف الصمت والإهمال والتعاسة، فانتقل بهم إلى بؤرة عين العدسة، ليكشف عن إنسانيتهم الطافحة..
في موت الرجل الذي من لوننا، ستبهت ألوان كثيرة. وسيبقى الحزن مقيماً، حتى إشعار آخر.
الجمل
إضافة تعليق جديد