في الروزانا و العتابا و الميجانا

باسل محمد يونس:  هناك مفردات كثيرة لها حيز هام و أساسي في ثقافتنا نتغنى بها منذ الصغر دون علمنا بمعناها المحدد أو ربما نعتقد أن لها معنى آخر؟ يخطر في بالي على سبيل المثال الروزانا و العتابا و الميجانا... هل فكر أحدنا بمعنى هذه الموروثات الفلكلورية وكيف أصبحت جزء من هويتنا الثقافية ؟ لا شك بأنكم تتفقٌون معي بأن الموضوع ليس مجرد كلمات أو مفردات... لقد كبرنا معها كمحطات فرح و باتت محفورة في الذاكرة لدرجة أنه و من دون معرفة معناها الحقيقي باتت ترمز لأمور كثيرة و لو وجدنا صعوبة للتعبير عن معني هذه المفردات بشكل دقيق. فلا أستطيع أن أصف هذا ألشعور الذي ينتابني عندما أستمع للسيدة فيروز و من ضمن هذه الأغاني الرائعة المتنوعة أغنية عالروزانا و الميجانا و مع الوقت أصبح لدي فضول لمعرفة معنى و أصل هذه المفردات : هناك من يعتقد بأن الروزانا عبارة عن اسم سفينة ايطالية كان المفروض أن تصل محملة بالقمح في وقت كانت فيه مجاعة ونقص في القمح في أسواق بلاد الشام وبينها فلسطين، وعندما خرج الناس لاستقبال سفينة الإنقاذ هذه وجدوها محملة بالتفاح بدل القمح! و لعدم حاجتنا للتفاح، أصيبوا بخيبة أمل ، لذلك غنوا لها وايش عملت الروزانا .. الله يجازيها. و في رواية أخرى أن السفينة الإيطالية أتت محملة بالتفاح إلى لبنان بقرار قسري من المتنفذين في الدولة و هكذا ذهب محصول المزارعين اللبنانيين من التفاح في خبر كان , وعندها اتصل تجار من حلب بإخوانهم في لبنان لترحيل تفاحهم إلى حلب علما أن الحكومة اللبنانية آنذاك منعت خروج التفاح من لبنان,و هكذا تم تهريب التفاح في صناديق التحميل عبر تغطيته بالعنب من أجل تمريره عبر الحدود و كلمات الأغنية تدلك على ما حدث : "عالروزانا عالروزانا ، كل الهنا فيها ، وش عملت الروزانا الله يجازيها ،، يا راييحين ع حلب ، حبي معاكم راح ، يامحميلين العنب تحت العنب تفاح ، كلمين حبيبو معو ، وانا حبيبي راح". و هناك فرضية تقول أنها مفردة فارسية تعني النور وتحورت عربيا لتصبح النافذة الصغيرة أو الكوة الصغيرة في السقف التي يدخل منها النور، و هذا ربما يفسر لي مفرده نستخدمها في منطقتنا الساحلية و تحديداً في القرى،حيث كان يوجد في غالبيه المنازل فتحه يمر منها الهواء و الشمس بحيث تمتد من أسفل المنزل حتى السطح و هو ما يطلق عليه "بالروزنة". أما العتابا فهي كلمة مأخوذة من العتاب وهذه مشتقة بدورها من العتب، وعتب عليه يعتب عتْباً، وعتاباً، وتعتاباً، ومعتباً ومعتبة: لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال طالباً حسن مراجعته ومذكراً بما كرهه منه .... و هي نوع من الزجل الشائع في بلاد الشام يتضمن على كلمات معاتبة للحبيب المهاجر البعيد و ذكر مدى الآلام التى يعانيها الأهل و الأحبه في أرض الوطن نتيجة الفراق. و بما أن بلادنا عانت الكثير من النكبات والويلات و المجاعات و الحروب , الامر الذى دفع الكثير من الناس الى الهجرة في بلاد الاغتراب بهدف تحسين الوضع الاقتصادى, مما أسّس العديد من الجاليات في المهجر والتى بقيت على اتصال مستمر بالوطن الأم. وهكذا ظهر هذا الضرب من الغناء الذى هو بالأصل عتاب للأبناء والأحباب و حثهم على العوده الى أرض الوطن. بنية العتابا : يتركب دور العتابا من بيتين، أو من أربعة أشطر على أن تكون الأشطر الثلاثة الأولى على قافية مجنّسة أي تتضمن جناساً، ( والجناس هو اتفاق لفظتين في النطق واختلافهما في المعنى )، وعلى أن ينتهي الشطر الرابع بالباء الساكنة المسبوقة بالألف أو الفتحة، هذا هو الغالب، أو بالألف.وفيما يلي نموذج من النوعين : يا سمرا ليش عا قلبي ما تلفي °°°°° بعدك عيشتي صارت متلفة صبح فينا متل شمس ومتل فيّ °°°°° منركض ما حدا بيلحق حدا أما بخصوص الميجانا: تتعدد الروايات أيضاً والاختلاف بلغ أشده في المصدر الذي جاءت منه لفظة ميجنا أو الميجانا ، أهي مأخوذة من كلمة ياما جانا أي ( ما أكثر ما جاءنا أو أصابنا ) كما يقول مارون عبود، أم هي عبارة عن ( يا ماجنة ) أيتها العابثة المستهترة المحبة للمزاح والدعابة ؟ بنية الميجانا : تبدأ بمطلع أو كسرة حسب التعبير الشعبي، وهو عبارة عن بيت شعري صدره شعري أي شطره الأول : ( يا ميجنا يا ميجنا يا ميجنا ) وعجزه، أي شطره الثاني، جملة تامة بمعناها ومستقلة استقلالاً تاماً في هذا المعنى عما بعده، على أن ينتهي بالمقطع الصوتي نا وعلى أن يتركب من اثني عشر مقطعاً صوتياً كما يتركب الدر ، وفيما يلي نماذج : يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا °°°°° اعطيني عيونك تَنسل سيوفنا نماذج من الميجنا لأنطوان السرعلي : يا ميجنا يا ميجنا يا ميجنا °°°°° مرقت قبالي الورد حيّا وانحنى مركب حبابي موج هالأزرق عبر °°°°° وياما عيوني بعدهم ذرفت عبر وقلبي تعلم منجفا حبابي عبر °°°°° هنّي نسوني ليش ما بنسى أنا

المصادر: مارون عبود، "الأعمال الكاملة"، الناشر: دار الجيل، تاريخ النشر: ١٩٨٢ ....