فضاءات.. الوصايا العشر!

12-01-2010

فضاءات.. الوصايا العشر!

من حسن حظ مواطننا العربي أنه غير قادر على مشاهدة قنوات الأفلام الفضائية (المشفّرة) لضيق ذات الحال، وإلا أصيب بالصدمة، أو بالإحباط والحيرة على الأقل، فيما لو تابع ما يعرض على تلك القنوات الغربية التي تحصل بعض الجهات الخاصة أو غير الخاصة على بثها حصرياً.

لا أنوي أن أكون ناقداً فنياً، ولن أفوّض نفسي بذلك، لكنني سأتبرع بسرد مثال على ما يعرض على تلك القنوات من أفلام، منها ما يزوّر التاريخ والدين، ومنها ما يشوّه صورة العرب. ‏

المصادفة وحدها جعلتني أتابع فيلماً من أفلام هوليوود يحمل عنوان (الوصايا العشر)، وهو يتحدث عن حياة النبي موسى، عليه السلام، وقد بثته إحدى تلك القنوات منذ فترة قصيرة. ‏

وإذا كنت أخصص (فضاءات) هذا الأسبوع للفيلم دون سواه، فلأنه أذهلني فعلاً، ليس من حيث السيناريو والإخراج والتمثيل، بل لأنه لا يمتّ للواقع التاريخي وللتراث الديني بصلة، بل يشوّه بشكل خطير صورة النبي موسى ويصوره مجرماً وحتى متمرداً على الذات الإلهية. ‏

(الوصايا العشر) فيلم قديم أنتج في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي، وهو معروف لمتابعي السينما، وأنا هنا لا أتحدث عن هذا الفيلم، بل عن فيلم حديث نسبياً أنتج عام 1996 -إن لم تخني الذاكرة ـ ويلعب فيه الممثل المصري -السوري الأصل ـ عمر الشريف دوراً ثانوياً هو دور والد زوجة النبي موسى. ‏

ما يصدم في الفيلم هو شخصية النبي موسى الذي يظهر كرجل قاسٍ يتملكه الغضب بشكل شبه دائم، ويوجه كلمات شديدة اللهجة وبصراخ غاضب إلى الله عز وجل لأن شعبه خرج عن طاعته، ولأنه أي الله لم يعطه الوصايا العشر! ‏

اللهجة الغاضبة التي استخدمها موسى (الممثل) لا يمكن أن يتقبلها حتى الأصدقاء فيما بينهم، فكيف إذا كانت موجهة لله، وحاشا لله ذلك؟ ‏

لكن الأهم من وجهة نظرنا هو مشهد قصير يقترب فيه هارون من موسى عليهما السلام ويسأله: ماذا نفعل بسبعة آلاف أسير لدينا؟ ‏

ودون تردد يقول موسى (الممثل أيضاً) وهو يومئ إلى هارون بالتفاتة خفيفة: اقتلهم جميعاً! ‏

من بين الأسرى -كما هو واضح في الفيلم ـ رجال وشيوخ ونساء وأطفال. فهل لنبيّ مرسل أن يأمر بإعدام سبعة آلاف إنسان دفعة واحدة؟! ‏ من الواضح افتقار الفيلم للموضوعية التاريخية والدينية معاً، فهو لا يستند في هذه الرواية إلى أي مرجع، ولا حتى إلى أي من الكتب السماوية المقدسة، إذ إنه من غير المنطقي أن يقوم نبي بمذبحة رهيبة يذهب ضحيتها سبعة آلاف إنسان، فالرسل والأنبياء بُعثوا لهداية الشعوب وليس لإبادة آلاف البشر. ‏

فإذا كانت الموضوعية التاريخية والدينية غير متوافرة في هذا الفيلم، فمن أين استمد كاتبه ومخرجه هذه الأحداث التي تصنف نبياً مرسلاً في خانة المجرمين؟! ‏

من المؤكد أن الفيلم استند إلى أساطير وخرافات صهيونية يوثقها كتاب غير مقدس اسمه (التلمود)، ولا يستند إلى الدين اليهودي القويم والحقيقي بصلة، وهو كتاب وضعه حاخامات متعصبون وعنصريون على مدى ما يقرب من خمسمئة سنة، وهو عبارة عن تفسيرات عجيبة وغريبة وإجرامية لما يقولون إنه كلام التوراة، والتلمود والتوراة الحقيقيان نقيضان بالمطلق. ‏

لكن هذا الكتاب الضخم من حيث الحجم هو المرجعية الأولى بل الوحيدة للصهيونية العالمية منذ ولادتها، وهو الذي يبرر جرائمها بحق الشعوب، وبحق العرب وفلسطين قبل كل شيء. ‏

يحتوي التلمود على نصوص كثيرة جداً تجيز قتل الأبرياء بمن فيهم الشيوخ والنساء والأطفال وبقر بطون الحوامل وإحراق الأخضر واليابس في أي أرض يدخلها الغزاة الصهاينة. ‏

ويحتقر التلمود الإنسان أي إنسان في الكون ويقول في أحد نصوصه: (إن الله خلق الأغيار -أي كل من هو غير يهودي ـ على شكل الإنسان كي يليقوا بخدمة اليهود)! وإن اليهود (أنقذوا الله من ورطات عدة)! (وإن الله يستشير اليهود في إدارة شؤون خلقه) وحاشا لله مرة أخرى. ‏

لن نورد المزيد من الأمثلة فهي بعشرات الآلاف وإنما نصل إلى نتيجة منطقية تقول: إن من يقرأ التلمود، أو بعضاً من نصوصه، يكتشف سبب هذا الحقد الصهيوني على البشرية جمعاء، وليس على الفلسطينيين أو العرب فحسب، ولا يمكن لمن قرأ شيئاً من التلمود أن يستغرب (فتاوى) الحاخام الأكبر في إسرائيل عوفيديا يوسيف الذي وصف العرب بالصراصير والحشرات التي يجب إبادتها. ‏

ومن قرأ بعضاً من التلمود وشاهد فيلم (الوصايا العشر) يكتشف أن ما قامت به إسرائيل من إعدام للأسرى المصريين في سيناء، وحتى السوريين في الجولان، إنما كانت تنفذ (وصايا) التلمود الإجرامية. ‏

لكن أهم نتيجة يمكن التوصل إليها من خلال كل ذلك أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ولدت من رحم التلمود، وهي انعكاس صادق للمجتمع الذي أنتجها، وهي بالتالي وصفة جاهزة لتطبيق وصايا التلمود غير المقدسة وارتكاب أفظع الجرائم الوحشية وممارسة الإرهاب بكل صنوفه وصوره. ‏

هل بالغنا في ذلك أم إننا قصّرنا في وصف الواقع والحقيقة؟ أعترف بأننا مقصرون!. ‏

عصام داري

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...