عن المثليين جنسيا والحرية
مازن كم الماز: أنا شخصيا نشأت في أسرة أبوية، و لا أستطيع أن أفهم صراحة مشاعر المثليين جنسيا بشكل ميئوس منه.. كان الوسط الذي عشت فيه يقدس الاستبداد الأبوي المبني على النسخة الأخلاقية السائدة، هذا جعل من المستحيل بالنسبة لي أن أفهم المثليين جنسيا حتى اليوم..يوما ما كانت المثلية الجنسية بالنسبة لي كابن مطيع لهذه الأنساق المتتالية الهرمية من القهر و الاستبداد مجرد شذوذ جنسي..لكن قصص الحب بين المثليين جنسيا خلقت عندي، أنا ابن الأسرة الأبوية التي تحول كل ما هو خارج السائد الأخلاقي إلى تابو محرم محظور، الكثير من التشوش غير المفهوم..أنا أعترف أنني غير قادر ربما حتى نهاية حياتي أن أتصور هذا الحب الذي يخالف النموذج الوحيد السائد "للحب المشروع"، لكن ما أنا متأكد منه هو أن هذه القصص، و بالتالي هذا الحب، يحمل شيئا ما إنساني بعمق، شيئا ما أكثر صدقا من هذا الهراء الأخلاقي المنافق الذي ينصب نفسه قاضيا و حكما على المثليين جنسيا و سواهم لمجرد أنهم يمارسون الحب خلافا لتابوهاته الشاذة في حقيقة الأمر..هذه الأخلاق التي تقوم على النفاق المحض الذي يجمع بين القهر و الاستباحة، قهر الغرائز و المشاعر الإنسانية الطبيعية بل و العميقة، و على استباحة الجسد و الروح الإنسانيتين من قبل الطغم التي تملك السلطة و المال بأشنع الطرق فحشا و قذارة، هذه الاستباحة التي تقرها بل و تعمدها الوصفات الأخلاقية السائدة بزيتها المقدس المزيف ( لا تجرم الوصفات الأخلاقية السائدة استباحة الجسد و الروح الإنسانيين بشكل فظ و غير إنساني من قبل أصحاب المال و السلطة، إن ما تجرمه هو خروج المقهورين المضطهدين على هذا النمط الأخلاقي السائد بغض النظر عن رغبتهم الحرة بممارسة نمط مختلف للعلاقات بين الأفراد و مقاومتهم لاستباحة أصحاب المال و السلطة باسم إنسانيتهم و حريتهم )، هذه الاستباحة تستمد مشروعيتها سواء الدينية أو الأرضية الوضعية من قانون الحاجة الذي يمثل القانون الوحيد الفعلي على الأرض التي ينقسم فيها الناس بين جياع و شبعانين، بين سادة و أتباع، بين عسس أو جلادين و بين مقهورين...هذه الاستباحة و هذا الزيف و كل هذا النفاق المثير للاشمئزاز هو الشذوذ الفعلي على هذه الأرض، و خلافا لكل الهذيان الأبوي الاستبدادي عن الحرية الذي يريد فقط إفراغها من مضمونها و تعليبها كسلعة في مجال الترويج السياسي و الفكري، فإن الحرية الحقيقية تكتسب شرعيتها من الإنسان فقط و ليس من أية قوة خارجة عنه..طبعا الإنسان ليس بإله، على العكس إنه ضعيف فيزيولوجيا و ربما عقليا بحيث أنه حتى اليوم ما يزال يتعلق بهذا الكائن الخرافي المقدس "السماوي" الذي يمثل نقيضه و امتداده في نفس الوقت، الذي يمثل حلمه الأزلي بالحرية و في نفس الوقت أكبر القيود المفروضة على عقله و على روحه، أنه ما يزال غير قادر على أن يتحدى تابوهات المحرم التي تسيطر على حياته و تجعل من أي حديث عن حريته مجرد كلام فارغ لا قيمة له و لينسب إلى قوى القهر و قيم القهر كل هذا "المغزى" الأخلاقي الفارغ، أي أنه باختصار ما يزال عاجزا عن أن يعيش حريته أو أن يمارسها..في العالم الواقعي نجد أن الحاجة إلى الطعام و النور و الدفء، و الخوف من الحاجة هي قيده الفعلي..لذلك مثلا ستجد النمط السائد من الأسرة، الأسرة الأبوية البطريركية، يقوم على تحديد شكل اقتصادي ضروري للعلاقة بين الجنسين، يكون فيه الجنس المسيطر الفعال، الذكر – الأب، هو مركز الأسرة، السيد، رمز السلطة، فيما الجنس المقهور، المرأة – الأنثى، هو التابع، الخاضع، الذي يحتاج إلى تقديم الطعام و بقية الضرورات اليومية الإنسانية في مقابل الإذعان و التسليم بحالة التبعية للجنس المسيطر و الالتزام بعلاقة "أخلاقية" تكرس سيطرة الذكر السيد و خضوع التابع الأنثى..هذا يحول الحب، أو يمسخه إلى الأبد أو إلى ما شاء الله، إلى علاقة عابرة "غبية" لا تملك أية قدرة على التعبير الجدي أو الاستمرار..لا يوجد شيء يرتبط بشكل صميمي و حتمي بالحرية الحقيقية و بالمساواة الحقيقية بين البشر و لا يوجد شيء يقتله، بل و يسحقه، القهر و الاستبداد و وجود امتيازات اجتماعية أو جنسية أو عرقية أو طبقية "مقدسة" مثل الحب بين الجنسين ( و في حالتنا هنا بين المثليين جنسيا أيضا )..و بالمثل لا يوجد إحساس إنساني أو قيمة إنسانية أو شكل للعلاقات بين البشر كان يمثل عبر العصور مثل هذا الدافع القوي و المؤثر للثورة على الظلم و القهر و استباحة إنسانية الإنسان مثل الحب..هنا نشاهد تداخل الإنساني الفردي بالكلي، الفردي بما يخص الجنس البشري ككل، هنا ما هو واضح وضوح الشمس أنه لا يمكن تحرير الإنسان دون إلغاء انقسام البشر إلى أناس تجوع و أخرى تشبع حتى الثمالة، إلى جلادين و مقهورين ( أن لا يكون تحت تصرف أية فئة مهما ادعت و نسبت إلى نفسها امتياز و وظيفة قهر الآخرين و إكراههم، لا باسم الأمر بالمعروف و لا النهي عن المنكر و لا باسم "إرشاد" الناس "التي لا تعرف" إلى جادة الصواب أو قيادة "ديكتاتورية" البروليتاريا أو أية صفة أخرى نخبوية قهرية )..ما أعتقده أنا ابن المجتمع الأبوي القائم على الاستبداد و قمع حرية الإنسان الذي ينظر إلى الحرية كهدف عزيز، بل و وحيد، للحياة الإنسانية، أن المثليين جنسيا أصبحوا مثليين بمجرد إطلاق العنان لمشاعرهم الصادقة غير المنافقة بكل حرية متجردة، أي بغرض ممارسة ما يشعرون به أو يعتقدون به، دون أن يكون هذا لصالح من يملك المال أو السلطة ككل هذا العري و العهر المخصص للترويح عن أصحاب الملايين و كبار رجال السلطة في العالم و في كل دولة عربية و إسلامية بالضرورة، ما أعتقده هو أنه بقدر ما لا يمكن تجزئة القهر و تصنيفه، تماما كما لا يمكن تجزئة الحرية و تقسيمها، فإن المثليين هم ببساطة بشر يمارسون حريتهم، هذه جريمة لا تغتفر بالنسبة لمجتمع يقوم على القهر و لكن ليس بالنسبة لبشر يمجدون الحرية كقيمة أساسية، إن لم تكن الوحيدة للحياة البشرية، و يبحثون عن حريتهم هم وسط هذا العالم المليء بالسجون و القيود....
إضافة تعليق جديد