عروبة الشيعة
من مفارقات الحرب الاسرائيلية على لبنان، بل ربما من غرائبها، أنه في الوقت الذي يتهم فيها شيعة لبنان بأنهم يقاتلون من اجل ايران ويخدمون أهدافها ومصالحها، تترسخ هويتهم العربية ويتسع جمهورهم العربي، ويزول الكثير من الحساسيات بينهم وبين أشقائهم من اهل السنة، وتتعمق الهوة بينهم وبين أقرانهم العراقيين...
لحظة الافتراق الأخيرة بين الشيعة في كل من لبنان والعراق، كانت في زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل ثلاثة أيام الى واشنطن، التي سبقتها نداءات من بعض القوى العراقية لا سيما تيار مقتدى الصدر لتأجيلها احتراماً لأرواح الشهداء اللبنانيين، وتخللتها صور مع الرئيس الاميركي جورج بوش لا تليق بأي عربي او مسلم تعنيه وتستهدفه المذابح الاميركية الاسرائيلية التي يتعرض لها لبنان، وتوّجتها كلمة المالكي امام الكونغرس الاميركي التي خلت من أي مشاعر بالتضامن أو حتى بالتعاطف مع اللبنانيين...
قبل هذه الزيارة كانت المسافة تكبر يوماً بعد يوم بين أتباع المذهب الواحد في البلدين، الذين كانوا يتقاسمون الإحساس بالحرج المتبادل: تورّط شيعة العراق من جهة في فتنة مذهبية دموية، وتطرّف شيعة لبنان من جهة أخرى في مناهضة اميركا ومقاومة إسرائيل... ولم يكن العامل الايراني المؤثر لدى الجانبين قاسماً مشتركاً او حتى قناة اتصال. ولم يكن الهلال الشيعي المزعوم سوى مزحة سمجة تثير استهزاء شيعياً عاماً.
تضامن الشارع العراقي على اختلاف مذاهبه مع لبنان وشيعته. صدرت فتاوى عن المراجع الخمسة الكبرى تفرض مد يد العون. سارت تظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب الاسرائيلية وتدين الرعاية الاميركية لها... لكنها كانت مجرد لحظات عابرة في مسار الأزمة العراقية، لم تساهم في تخفيض مستوى العنف الطائفي الذي ظل يحصد ما يزيد على خمسين قتيلاً في اليوم الواحد، كما لم تخدم في تبديد ذلك الفصل الاسود من التاريخ العربي والاسلامي.
في بقية العواصم والأنحاء العربية كان التضامن مع لبنان جذرياً، ولولا بعض الاصوات السعودية المتخلفة لكان التعاطف مع الشيعة اللبنانيين إجماعياً. تخطت الغالبية الساحقة من العرب الخلاف المذهبي التاريخي وسارعت الى احتضان أتباع ذلك المذهب الذين ينكل بهم العدو الأول للامة، بقدر ما يبطش بالفلسطينيين الذين لا يمكن إدراجهم في ذلك الفرز المذهبي، لأنهم كانوا وما زالوا يصنفون المقاومة اللبنانية باعتبارها فصيلاً متقدماً من فصائلهم المقاتلة.
لا يعني ذلك أن الحساسية المذهبية قد زالت من القاموس العربي نتيجة معمودية النار والخراب التي يتعرّض لها شيعة لبنان، كما لا يضمن ذلك أن اللبنانيين والعرب تفادوا نهائياً ذلك الخطر. لكن المؤكد أن رسالة الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي تولى السجال مع ابو مصعب الزرقاوي حول جواز قتل الروافض، توحي بأن المروّجين للفتنة باتوا بحاجة الى جهد مضاعف لإشعالها... لا سيما وان مناعة لبنان أقوى بكثير من مناعة العراق.
ساطع نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد