عاطل يحول قمامة أثرياء جنوب أفريقيا لهدايا
يستيقظ غريغوري كل صباح ليبدأ جولة جديدة بين المخلفات الواردة من أحياء كيب تاون الغنية.
علب المشروبات الغازية وأغلفة الهدايا الفاخرة وبقايا الملابس هي المواد الخام التي يعتمد عليها في صناعته، بعد أن ضاقت به السبل للحصول على عمل بأجر مناسب يضمن له دخلا ثابتا يعين به أسرته ويسهم في تربية أخوته الصغار، عسى أن يتمكنوا من الحصول على فرص تعليم أفضل وشق طريقهم في الحياة.
تنظيف المخلفات هي أولى الخطوات للتعرف على ما يصلح منها وما لا يصلح، أو بالأحرى كيف يمكن الإفادة منها، فمن المفترض ألا يتبقى منها شيء، إذ يجب أن تتحول جميعها إلى بضاعة تباع بأسعار متفاوتة.
فالعلب المعدنية تتحول إلى هياكل تحاكي الفيلة والزرافات وبقية الحيوانات والطيور المنتشرة في جنوب أفريقيا، وإذا كان المعدن خفيفا فيمكن أن يتحول إلى أي نوع من السيارات أو الطائرات، ومع بعض الدعامات الخشبية ومخلفات المطاط والفلين تستكمل تلك التحفة الصغيرة، لتلفت الانتباه بسبب الطباعة المتناثرة عليها، التي تؤكد أنها كانت يوما ما شيئا آخر قبل أن تتحول إلى تلك الدمية.
أما بقايا الجلود والأقمشة والبلاستيك فكلها تتحول إلى حقائب يد أو حافظات أوراق مالية أو أغلفة بسيطة للدفاتر أو تشكيل فني زخرفي يمكن أن يندرج تحت السريالية أو التجريدية أو ما يراه المشتري مناسبا.
وحتى ما يتبقى من تلك الصناعة يمكن التعامل معه مجددا فتتحول الخيوط والحبال إلى أساور وأقراط وعقود، مع إضافة بعض القطع البلاستيكية أو الزجاجية إليها لتزيينها وإعطائها بريق الحلي الأفريقي التقليدي.
الخطوة التالية هي الذهاب بكل تلك المنتجات إلى القرى السياحية المنتشرة في ضواحي كيب تاون لعرضها للبيع على الزوار الراغبين في اقتناء بعض الذكريات من هذه البلاد الواقعة على حدود المحيطين الأطلسي والهادئ.
"لم يكن لدي حل آخر بعد أن ضاقت بي السبل في الحصول على عمل مناسب في إحدى الشركات أو الدوائر الحكومية، فكل الوظائف الجيدة محجوزة لأبناء البيض، ولم يتبق سوى الفتات للملونين، فليس لدينا خيار سوى القبول بأي عمل يدر دخلا نسد به رمقنا ونغلق باب الفقر والعوز والحاجة".
هكذا برر غريغوري للجزيرة نت وقوفه أمام منصته يراقب اهتمام الزوار بإنتاجه، الذي يعتز به.
ويشير غريغوري إلى العديد من التجارب المماثلة التي يقوم بها الشباب الملونون في كيب توان والمدن الأخرى للقضاء على البطالة المتفشية بينهم، حيث تصل بين الشباب دون الـ20 عاما إلى 70% وفي المتوسط بين البالغين حوالي 45% حسب بيانات إدارة مقاطعة كيب تاون، مقابل 2% فقط نسبة بطالة بين البيض.
ويعتقد أغلب الشباب سواء من الملونين أو البيض الذين التقتهم الجزيرة نت في كيب تاون أن بقايا العنصرية لا تزال متحكمة في تفكير الأقلية البيضاء المسيطرة على الاقتصاد والقطاعات الحيوية الهامة في البلاد، وبالتالي فالوظائف الهامة تبقى لأبنائهم، أما الملونون فلا عزاء لهم.
فرص العمل المتاحة للملونين تتراوح بين خدم المنازل وعمال البناء وباعة جائلين وسائقين، ومن يسعده الحظ يمكن أن يعثر على عمل في طاقم استقبال أحد الفنادق أو دليلا سياحيا في الصحراء القاحلة أو الجبال الموحشة أو الأدغال الخطرة.
أما العمل في المصحات الكبرى والمصارف والشركات والمؤسسات فيبقى حكرا على الصفوة، وإذا وجدت فيها ملونا فكن على يقين أنه إما وافد من بريطانيا أو الولايات المتحدة، أو على قدر كبير من العلم والموهبة التي لا يمكن تعويضها.
تامر أبو العينين
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد