طنطاوي يواصل «حربه» وبوادر شقاق في «الإخوان» والأزهر يحمّل الجيش المسؤوليّة
كأنها حرب. بل هي كذلك بالفعل. الكلمات الأكثر تداولاً الآن في الإعلام المصري: هدنة، اشتباك على الحدود، خطوط القتال، اشتباك على الحدود ووقف إطلاق نار وحرب نفسية واحتلال وفقدان أرض. وغيرها من مصطلحات الحروب الحقيقية. ميدان التحرير والميادين المحيطة به. حرب كاملة على مدى خمسة أيام لم تتوقف إلا ساعات قلائل.
الميدان والشوارع المحيطة به تواجهه حرب كيماوية حقيقية: 6 قنابل غاز كل دقيقة. أدت إلى استشهاد 13 شخصاً أمس (حسب تصريحات طبيب داخل المستشفى الميداني).
وفي الوقت الذى كان فيه اللواء محمد العصار، أحد أعضاء المجلس العسكري، يقدم تعازيه وأسفه للشعب المصري على القناة الفضائية المصرية، ويرفض مقارنتهم كمجلس عسكري بالنظام السابق، كانت أعداد هائلة من المصابين والشهداء تسقط في العديد من المدن المصرية، بينها الإسماعيلية.
واستمرت الاشتباكات العنيفة في شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير والمؤدي إلى مبنى وزارة الداخلية بين الشرطة، التي تستخدم القنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والرصاص المطاطي، والمتظاهرين المسلحين بالحجارة وزجاجات المولوتوف. وقامت مجموعة من أئمة الأزهر بمحاولة لعقد هدنة، إلا أن شهوداً عياناً أفادوا بأن الشرطة خرقتها.
وقال الشيخ عبد الرحمن أبو الفتوح، الذي يعمل إمام مسجد، وكان من بين من شاركوا في عقد اتفاق هدنة: «بعد أذان المغرب، دعا المشايخ (أئمة مساجد) عدداً من المتظاهرين في شارع محمد محمود لأداء صلاة المغرب، في دليل على حسن النية وقبول الهدنة». وأضاف: «ونحن نصلي، صرخ مجموعة من الشباب كانوا يقفون على سور مبنى (للمراقبة) قائلين إن الشرطة تضرب محتجين في شارع آخر». وأضاف أبو الفتوح: «بالفعل، سمعت صوت إطلاق نار. فوجئت بعشرات المتظاهرين يأتون من خلفنا ويلقون الحجارة على قوات الأمن التي كانت تقف على مسافة خلف قوات الجيش».
وقال الناشط هيثم محمد: «كنا نقف بينما مجموعة من الشباب تكنس الشارع ومجموعة أخرى تقيم حواجز وطوقاً أمنياً لمنع تقدم قوات الأمن في شارع محمد محمود وأثناء صلاة الأئمة وبعض المتظاهرين سمعنا صوت إطلاق نار وقنابل غاز مسيل للدموع». وأضاف: «نقلت 25 مصاباً على دراجتي النارية إلى العيادات (الميدانية) حتى أصبت ونقلني زملائي إلى هذه العيادة».
ودعا ائتلاف شباب الثورة، الذي يضم عدة حركات شبابية شاركت في الدعوة إلى «ثورة 25 يناير» على الرئيس السابق حسني مبارك، إلى تظاهرة حاشدة الجمعة أطلقوا عليها «جمعة الشهيد» وحددوا لها ثلاثة مطالب هي: «محاكمة فورية وعاجلة لكل من تورط في قتل المتظاهرين مهما كانت صفته وتأليف حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات كاملة تتولى إدارة ما بقي من فترة انتقالية، على أن تنقل إليها كافة صلاحيات المجلس العسكري السياسية والاقتصادية، والبدء في هيكلة تامة لوزارة الداخلية تتضمن حل قطاع الأمن المركزي وضمان محاكمة من تلوثت أيديهم بدماء المصريين».
وكان المحتجون قد عبروا عن استيائهم من اتفاق توصل إليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد أول من أمس مع أحزاب أغلبها إسلامية للإسراع في نقل السلطة إلى المدنيين، في وقت بدأت فيه بوادر انشقاق داخل جماعة الإخوان المسلمين؛ إذ أعلن عشرة من أعضائها الشباب تقديم استقالاتهم احتجاجاً على موقف الجماعة المتخاذل وعدم الانضمام إلى صفوف الشعب، وهدد القيادي البارز في الجماعة محمد البلتاجي بتقديم استقالته، وقد أصدرت الجماعة بياناً رسمياً هزيلاً أكدت فيه أن «شباب التحرير مخلص... ولن نشارك في تظاهرات تزيد احتقان الوطن». وأضاف البيان أن «الجماعة» تتخذ مواقفها من نظرة متوازنة بين العقل والعاطفة، تضبطها القواعد الشرعية، وتنتصر للمبادئ، بعيداً عن المصالح الخاصة. واختارت الجماعة عمرو موسى رئيساً للحكومة بديلاً لشرف المستقيل، وهو ما نفاه موسى، وأعلن رفضه أيضاً، فيما لم تصدر عن المجلس أي إشارات إلى تأليف حكومة الإنقاذ أو اختيار من يرأسها؛ إذ رفض محمد البرادعي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي المشاركة في اجتماع القوى السياسة.
وكان المشير محمد حسين طنطاوي قد وعد، بعد الاجتماع مع القوى السياسية، بانتخاب رئيس مدني في حزيران قبل الموعد الذي خطط له الجيش بستة أشهر على الأقل. وأعلن أن الانتخابات البرلمانية التي توصف بأنها أول انتخابات حرة تشهدها مصر منذ عقود ستبدأ يوم الاثنين كما هو مقرر.
وأغضب طنطاوي الكثيرين من المتظاهرين الشبان في ميدان التحرير بالقاهرة ومدن أخرى حين اقترح إجراء استفتاء على ما إذا كان يجب إنهاء الحكم العسكري فوراً، وهو ما عدّوه حيلة لاستقطاب الكثير من المصريين الذين يخشون المزيد من الاضطرابات.
إلا أن ثوار التحرير رفضوا عرض طنطاوي، مطالبين بفتح باب الترشّح للانتخابات على الفور، على أن تبدأ الانتخابات فى 25 كانون الثاني المقبل، وتُسلَّم السلطة للرئيس المنتخب في 11 شباط، أي بعد عام من تنحي مبارك.
إلى ذلك، حمّل شيخ الأزهر أحمد الطيب الشرطة والجيش مسؤولية وقف العنف في ميدان التحرير، داعياً «قادة الشرطة المصرية» إلى «إصدار أوامرهم بوقف توجيه السلاح» إلى المتظاهرين، مطالباً الجيش «بالحيلولة دون أي مواجهة بين أبناء الشعب الواحد». وحذر من «نتائج مريرة» للجميع.
وقال الطيب إن الأزهر «يصرخ بأعلى صوته، مناشداً قادة الشرطة المصرية أن يصدروا أوامرهم فوراً ومن دون إبطاء بوقف توجيه السلاح إلى صدور إخوانهم المصريين مهما كانت الأسباب». وأضاف، في بيان تحذيري اختتمه بعبارة «اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد»، أن الأزهر يدعو كذلك «القوات المسحلة للحيلولة دون أي مواجهة بين أبناء الشعب الواحد». وتابع: «يتوجه الأزهر الشريف إلى أبنائنا في ميدان التحرير وسائر ميادين مصر أن يحافظوا على الطابع السلمي لثورتهم مهما بذلوا من تضحيات ومهما واجهوا من صعوبات وأن يحافظوا على الممتلكات العامة والخاصة لا يمسوها بسوء من قريب أو بعيد». وقال: «يذكّر الأزهر الجميع بأن الحوار المضمخ بالدم حوار مشؤوم وثمرته مليئة بالمرارة في حلوق الجميع».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد