سوريا، المشرق..المعنى والطريق
(1)
سوريا والمقاومة ليستا عنوانين، بل هما عنوان واحد؛ فالدولة الوطنية السورية هي، في ذاتها، مشروع مقاومة، تكوّن، أولاً، في مواجهة الاستعمار العثماني، تعبيراً عن طموح الفئات الاجتماعية الحديثة في بلاد الشام إلى تأسيس دولتها القومية التي رأت شيئاً من النور، عام 1918، وعاشت سنتين وهي تقاوم الاستعمار الفرنسي والمؤامرات البريطانية. أذكّر، هنا، بأن أول حركة مقاومة مسلحة عربية شعبية هي تلك التي قامت بين عامي 18 و20 في بلاد الشام، وانتهت موجتها الأولى في المعركة البطولية التي قادها وزير الدفاع السوري يوسف العظمة، في ميسلون. ثم ما لبثت موجتها الثانية أن انطلقت في الثورة السورية الكبرى عام 1925، ونشوء الحركة الوطنية التي قادت دولة الاستقلال في جزء من الأراضي السورية، هي الجمهورية العربية السورية التي قامت ككيان وطني جريح بتقسيم بلاد الشام إلى أربعة أقطار، اقتطاع لواء الإسكندرون على الساحل الشمالي تحت الاحتلال التركي، واغتصاب فلسطين، إضافة إلى الكارثة الاقتصادية الناجمة عن قطع الصلات الطبيعية بين سوريا والعراق، ما أدى إلى تراجع وضمور جوهرة المدن العربية في المشرق، أعني حلب.
المقاومة، بالنسبة إلى الدولة الوطنية السورية، إذاً، ليست خياراً بين خيارات، إنها حتمية.
(2)
المشرق العربي، اللوحة الكونية للتراكم التاريخي للتعددية الروحية الثقافية الإثنية، كأنها ثمار شجرة الحياة الخالدة، عصيّة على الحكومة الدينية.
الحكومة الدينية في المشرق، بالضرورة، طائفية مذهبية؛ فهي، إذاً، مشروع حرب أهلية.
العلمانية، في سوريا والمشرق، ليست، كذلك، خياراً بين خيارات؛ هي، أيضاً، حتميّة.
(3)
انظروا إلى هذا الهلال العظيم؛ بمجتمعاته المتنوّعة الحيويّة القادرة على تزويد دولة حديثة، بكل عناصرها اللازمة لإحداث الاختراق العالمي في الصناعة والزراعة والثقافة والثروة والدفاع: كيف نبدّدها الآن في مقاطعات غير قابلة للحياة، غارقة في صراعاتها الداخلية الصغيرة.
في المشرق، ما من أكثريات وأقليات؛ بل كتل ثلاث وازنة (السنّة، الشيعة، المسيحيون) بتفرعاتها، وبالأقليات المندمجة داخلها؛ توازن يسمح بتجاوز العصبيات الفرعية، والتأسيس للانسجام القومي اللازم للديموقراطية.
(4)
هنا، أتوقّع من المثقفين القوميين والتقدميين العرب، أن يتفهّموا دوافع التيار الناشئ، في خضمّ الدفاع عن الجمهورية العربية السورية، والتكامل بوحدة المشرق العربي كمهمة أولى مطروحة على عاتق القوى الوطنية في بلاد الشام والعراق.
لا ينطلق هذا التيار من القول بقومية محلية منفصلة عن الأمة العربية، لكنه يتلمّس الضرورات القومية لتوحيد إقليم جيوسياسي عربي، أظهرت التطورات أنه مترابط عضوياً على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، إضافةً إلى أنه يتّسم بثلاث خصوصيات رئيسية، هي أولاً: التعددية الطائفية والمذهبية والإثنية والجهوية، وثانياً: التكامل الاقتصادي، وثالثاً: تأثّرها المباشر على كل المستويات باغتصاب فلسطين وعدوانية الكيان الصهيوني.
(5)
التحشيد والتعبئة من أجل انتصار الجمهورية العربية السورية لا يزالان، بعد سنتين وثمانية أشهر، دون المستوى المطلوب: لقاءات، ومؤتمرات خجولة، وتصريحات حذرة وبيانات قلقة.
في أساس هذا التقصير، تشوّشٌ فكريّ لدى المثقفين القوميين والتقدميين العرب، ناجم عن «شيطنة» النظام السوري منذ وقت طويل، منذ «فتح» _ وامتداداتها اليسارية _ وحتى «حماس» _ وامتداداتها القوموية _ ومروراً بالليبراليين والمتأمركين الذين لا يرون في الدولة الوطنية المستقلة وإنجازاتها الاقتصادية والثقافية والدفاعية، ودورها المثابر في مواجهة الامبريالية والصهيونية، سوى هوامش عابرة على متن «حرية» الإرهاب الفكري والعنفي، وليس بالطبع، الحريات الفكرية والسياسية والثقافية.
آن الأوان لإعادة قراءة تجربة الدولة الوطنية السورية، منذ تأسيسها كفكرة في عقول القوميين الأوائل وقلوبهم.
آن الأوان لإعادة قراءة تجربة الراحل الرئيس حافظ الأسد، كقائد واستراتيجي أثبتت التطورات صحة الخط العام لسياساته.
بل آن الأوان لإعادة تقويم الشخصية القيادية للرئيس بشار الأسد، بأخطائه وميّزاته، وإنما، دائماً، انطلاقاً من صموده الاستثنائي في مواجهة الحرب الغربية _ التركية _ الخليجية الوهابية المجنونة ضد سوريا/ الدولة والمشرق/ المعنى.
(6)
مسؤولياتنا نحو سوريا:
(1) التعبئة السياسية والجماهيرية والإعلامية، دفاعاً عن الجمهورية.
(2) التدخل القومي في الصراع الاجتماعي _ السياسي الداخلي في سوريا من أجل نبذ النيوليبرالية واقتصاد السوق المعولَم، وإسناد التيارات الوطنية الاجتماعية داخل الدولة السورية وخارجها، من أجل انتصار خط الاقتصاد العادل والديموقراطية الاجتماعية.
(3) النضال الفكري والثقافي والعملي من أجل خلق الظروف الملائمة لانطلاق المقاومة في الجولان.
(4) تفهّم وإسناد الحركة المشرقية الرامية إلى استعادة العلاقات الحيوية بين الأقطار الشامية، وبينها وبين العراق.
(كلمة ألقيت في المؤتمر العربي الدولي للدفاع عن سوريا ودعم المقاومة، بيروت 16/ 9/ 2013)
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد