رداً على يوسف عبدلكي: هو الفن وليس طيشاً واستعداء

21-01-2011

رداً على يوسف عبدلكي: هو الفن وليس طيشاً واستعداء

لن أتخفى خلف التوريات والاستعارات، سأتحدث بصراحتي المعهودة، وبشفافية ووضوح، سأسمي الأمور والعلل بمسمياتها الحقيقية بعيداً من التجميل والتزويق والترقيع. ولن أتهرب من التسمية، كما لم أتهرب منها في أي يوم، وربما هذا من أسباب التهجمات المتواترة علي، وعلى مسيرتي الفنية التي تغيظ الحساد من المعاصرين والسابقين، ممن يظنون بأنفسهم «الأبوة»، على رغم أن عقمهم سافر وصارخ، ومدعاة للشفقة.

كتب يوسف عبدلكي بتاريخ 14 – 1- 2010، في "الحياة" رداً بعنوان: «هو الفن وليس مكنسة كهربائية» رداً على التحقيق الاستقصائي الذي كانت الصحيفة قد نشرته تحت عنوان: «التشكيل السوري... هل يرقص على حبل الكذب القصير؟»، بتاريخ 26- 12- 2010، للصحافية رنا زيد، التي حاولت أن تلم بجوانب من الحياة التشكيلية السورية، وقد أوقف عبدلكي رده للتهجم بلغة وشعبوية وتضليلية علي، متهرباً، كعادته، من التسمية، مكتفياً بالإلماحات والإشارات التي يخمنها ذكية، في حين أنها ساذجة. وقد سفه عبدلكي كل ما صادفه في طريقه، ووزع اتهاماته وتلفيقاته على مَن كتب ومَن تحدث ومَن نشر، وقلل من شأن الجميع ليرفع من شأن مزاعمه، وهو في ذلك ينطلق من عقلية واهنة، من سلوكيات براغماتية ودوغمائية، هو الذي ظل متنقلاً وراقصاً على الجهات، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مستمتعاً في الأمكنة والمواقع التي تنقل في ما بينها.

لم أفاجأ بالتهجم الذي شنه عبدلكي، والذي يعكس عقلية موتورة تنظر إلى الجميع بعين العداء والحسد والشك، ولست في وارد الدفاع عن نفسي، لأنني أعني ما أقوله، ولا أتهرب من مواقفي، ولا أرضى المتاجرة بكلمتي وموقفي، ولأنني لا أنافس أحداً، أنافس نفسي فقط، أمثل تجربتي الفريدة في الفن التشكيلي، أشكل تياري الخاص بعيداً من التيارات والحوامل التي استعان ويستعين بها الكثير من أمثال هذا وذاك، كما لا يخفى ما أمثله من تيار تجديدي حداثي مختلف. والمختلف، كما هو معلوم، يُحارَب من سدَنة الأوهام وحساد النجاح. ولا أرضى أن أقارن تجربتي بتجربته، لأنني ابن مرحلتي، ولست خاضعاً لإيديولوجيات منتهية المفعول، لا أقبل الاستعانة بها لتشكل مرجعيات وحوامل لي، وإذا كان مشروعه يتخطى عصر الأنوار فيلتفضل ويبدع، مَن يمنعه؟ كما يعلم القاصي والداني دفاعي المستميت عن الفن السوري وعن الفنان السوري، وريادتي في فضح وتعرية الكثير من الممارسات الشائنة التي تصِم اللوحة وتثقل عليها، إذ أنني أول من نادى بوجوب إيقاف تهريب أعمال الرواد، كما طالبت بحماية الفنانين من التجار ومافيات الفن، وطالبت بإخضاع اللوحة، التي يُدَعى أنها تباع بأسعار خيالية خارجة عن المواصفات الواقعية لضريبة من شأنها أن تحفظ للوحة قيمتها الفنية، وتحفظ لها اعتبارها وتوقف الابتزاز والنفاق والتدليس المقترف بحقها. أدافع عن ارتهان الفنان السوري الشاب لأصحاب المعارض، أرفض احتكاره من أحد، وتحت أية ذريعة. طالبت كذلك بمتحف وطني للفن المعاصر، وفرض رقابة لحفظ كرامة الفنان وإيقاف ابتزازه من الشلل التي رفضت الانخراط فيها، وسأبقى رافضاً ومحارباً كل ما تمثل من امتهان وابتذال للفنان، كشفت الأخطاء في المؤسسات التي ظللت على مسافة منها، ولن أتوانى عن الفضح والتعرية حين أجد ما يقتضي ذلك. عدا عن المبادرات الإنسانية الكثيرة التي لا أود الإسهاب في الحديث عنها، لأنني أعتبرها من واجباتي كإنسان وفنان تجاه المحتاجين. كما أفتخر بشهادات كبار المفكرين في العالم العربي كأدونيس وأنطون مقدسي عن تجربتي الفنية، إضافة إلى شراكات فنية بيني وبين بعضهم. ويبدو أن هذا مما يغيظ عبدلكي بالموازاة مع الكثير من الذرائع التي يختلقها.

يستغرب المرء العِداء الذي يحمله عبدلكي تجاه الجديد الذي أمثله، وقد حاول التشويش والتضخيم، فأجده يذكر الكثير من عظماء فرنسا الذين تدين لهم البشرية كلها، محاولاً إظهار علو كعبه، وإلمامه بالأسماء، محامياً عن التاريخ، ولا أختلف معه على ما ذكر من تمجيد لعظمة فرنسا وعراقتها، كما أحترم احترامه لرأيي في عمله الفني الذي لا يعجبني، ولكنني لست هنا للتقويم الفني، فهذا شأن آخر، بل أود التعليق على بعضٍ مما افترى به على الحقيقة، فأنا أدرك عظمة فرنسا التاريخ، من دون أن أنسى أو أتناسى بعض الجوانب السلبية التي تخللت مسيرتها الاستعمارية، كما لا أنساق وراء التعظيم والتهويل، لأن فرنسا الفنية التي وصفتُها بالعجوز، هي التي ينبغي لها أن تتعالَج، عساها تستشفي من عللها، ومن غلطتها في احتضان بعض الواهمين. وقد تركز حديثي في سياق المحاضرة المشبوهة التي ألقاها كيخانو، التي لم أكن «لأستمتع» بها أو «أمجدها» لو أنها احتفت بي وقرظت تجربتي. كما خمن المتوهم الشكاك الذي يحرص على إبراز نفسه على أنه «شهيد الفن».

أخفى عبدلكي الحقائق وحاول حجبها والتغاضي عنها، لأنه انشغل بالتجييش والاستعداء، بالاستعراض المخجل والمحاماة الساذجة والمراضاة الكئيبة. انطلق ليتهم «المحاولة الصبيانية» التي يتوهمها لقتل «الأب»، هذه المحاولة التي تربكه وأمثاله ممن استنقعت بهم أوهامهم «بأبوة» بعيدة. كما تضمن رده عكساً للمعادلة، وتسفيهاً للفن، وتعبيراً عن الطيش، ومغالطة في تأويل كلماتي وإدخالها في سياق مختلف، هو الذي يستعلي على جيل الشباب. كما لا تخفى النبرة الوصائية في الرد الذي يُرثى له ولكاتبه، لما ينطوي عليه من حكي مدرسي، وكلام دعائي مفعَم بالتهويل والتصغير. ينطبق عليه بالضبط ما ينعت به الآخرين من تهريج حول استخدام «أوراق» وطنية هزيلة لأغراض أكثر هزالة.

لا أختلف معه في أن الفن رسالة، وليس شكليات وادعاءات وتلفيقات، ولا مكنسة كهربائية ولا نقالة مرضى نفسيين، وأوقن أنه لا ينبغي لأصحاب الرسالات أن يقدموا الأحقاد على التواصل الإنساني الخلاق، أستذكر هنا حادثة بسيطة معبرة، وهي ذهابي، بعد حادثة السير التي تعرضت لها، والتي كادت تودي بحياتي، إلى أحد المعارض، فاستقبلني الجميع بالترحاب وهنأوني بالسلامة، وحده عبدلكي «الشهيد»، تملص وتسلل من الصالة من دون أي تهنئة إنسانية على الأقل بالسلامة. هل يتصدق عبدلكي بلوحته مجاناً، ألا يستميت في رفع سعرها، ثم هل يغدو النجاح نقيصة، وهل علي أن أكون فاشلاً وجائعاً ومُتصَعلكاً أحار في تأمين قوتي..! ثم أليست اللوحة منتجاً ثقافياً يمكن الترويج له وتوزيعه بطرائق وسبل عدة..! فلماذا هذه المحاولة البائسة لاستجرار تعاطف الآخرين وشفقتهم..؟!

لا شك في أنه الحسد المستفحل، ربما لأنني أتفرد بخصوصيتي وطريقتي وتجاوزي، ربما لأن المعاصرة حجاب، ربما لأن الوهم قاتل، ربما لأنني أنحدر من بيئته نفسها وأرفض التلمذة والتبعية والارتهان، ربما لأن الجديد مُبهر وصادم، وربما لجوانب أخرى يبالغ عبدلكي في تذمره واستيائه وانفعاله.

يقيناً أكتب ما أكتبه لأختم الجدال، لا لأعلن حروباً أو معارك أو سجالات، لأن مشروعي الفني يحتم علي التفرغ له، من دون الالتفات إلى العثرات التي يختلقها الحساد في طريق الإبداع والفن، ومن دون الانشغال بتهافتٍ أو توريط. رهاني الأول والأخير على لوحتي وفني، الفن الذي يظهر من الشك، من الإشكالية، من الألم... ولي حلمي الشخصي الذي أسعى إلى تحقيقه، متسامياً على الصغائر والمصالح الموقتة، وبعيداً من التجيير والمداهنة والمحاباة. ولست معنياً بالربح والخسارة، فأنا الرابح دوماً بفني وتجديدي واختلافي وإنسانيتي.

سبهان أدم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...