رجال أمن وشرطة في المغرب يتسولون بسبب ضعف رواتبهم
لم يعد رجال الأمن والشرطة لدى رجل الشارع المغربي، مصدر هيبة واحترام كبيرين، بقدر ما أصبحت رؤيتهم تثير الحزن لدى البعض، والرغبة في التندر لدى البعض الآخر، والسبب كما يقول مراقبون، يكمن في أخبار خرجت من الدوائر الأمنية المغلقة ومن محاضر التحقيق السرية إلى الرأي العام، تفيد بأن بعض هؤلاء يزاولون مهنة التسول.
فقد تم ضبط بعض رجال الأمن وهم يزاولون أنشطة إضافية لتحسين ظروف عيشهم المتردية، إلا أن هذه الأنشطة لم تكن دائما قريبة أو مناسبة لوضعهم، كعناصر في واحد من أكثر الأجهزة حساسية داخل الدولة، وأغرب المهن التي ثبت أن بعض رجال الشرطة يقومون بمزاولتها هي التسول.
وانكشف أمر شرطيين في إحدى مدن الشمال المغربي، رغم أنهما كانا يمارسان "مهنتهما الثانية" خارج مجال عملهما، في إحدى المدن المجاورة، حيث كانا بعد أن يضعان اللباس الرسمي، يحملان آلتين موسيقيتين ويتسولان المارة.
ولم تمض سوى شهور قليلة حتى وصلت أنغام آلتيهما البدائيتين، إلى مقر عملهما الرسمي ليمثلا أمام المجلس التأديبي، الذي تراجع عن قرار فصلهما، واكتفى بترحيلهما إلى منطقة نائية، حسب ما أكدته بعض المصادر.
ولم تكد تهدأ الضجة التي أثارها خبر الشرطيين "الفنانين"، حتى تم إلقاء القبض على رجل أمن ثالث، بعد حادث مروري بمدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، حيث اكتشف رجال الأمن الذين حضروا لمعاينة الحادث أن سائق سيارة الأجرة الذي تسبب في الحادث لم يكن سوى زميل لهم، يمارس مهنة سائق "تاكسي" خارج أوقات العمل.
وفي الوقت الذي أثارت فيه هذه الأخبار الشارع، لم يستغرب أغلب رجال الشرطة ما صدر عن زملائهم، من ذوي الحظ العاثر الذي كشف عن مصادر رزقهم الحقيقية، خصوصا أن رواتبهم التي لم تشهد أي زيادة منذ سنين طويلة، لا تكفي لإعاشة أسر يتحمل عبئها الساهرون على الأمن في البلاد.
و في محاولة للاقتراب أكثر من واقع رجال الأمن الذين فشلوا في تحقيق الأمن لأسرهم من خلال الرواتب التي تدفعها لهم وزارة الداخلية، حاولت "قدس برس" الاتصال بعدد من الهيئات وجمعيات الأعمال الاجتماعية، التابعة لبعض الدوائر الأمنية، إلا أن "رفض الإدلاء بأي تصريح دون التوصل بإذن مكتوب من الجهات العليا"، كان هو الجواب، الذي اتفق عليه أكثر من شخص في أماكن مختلفة.
لكن "س.خ" العامل في إحدى الدوائر الأمنية بالرباط، قرر أن يبوح بالممنوع، شرط أن لا تكشف هويته ولا مكان عمله، وأكد صحة كل ما ينشر عن زملائه، قائلا: "رواتبنا قليلة جدا، وظروف عملنا لا يمكن تشبيهها بظروف عمل أي جهاز أمني في أي بلد في العالم، ولهذا كان يلتجئ الكثير من رجال الشرطة إلى الرشوة، لكن هذا الباب ليس متاحا للجميع، كما أنه أصبح أكثر خطورة.."، وبعد صمت دام لحظات، استطرد مضيفا "عندما تتكاثر عليك الديون، ويحاصرك صاحب المنزل الذي تكتريه، ولا تجد ما تدفعه للطبيب عندما يمرض أحد أبنائك هل ستبقى في موقع المتفرج، خصوصا أننا ممنوعون من الانخراط في النقابات أو الاحتجاج للمطالبة بتحسين أوضاعنا المادية!".
مرت لحظات ثقيلة ورجل الشرطة بزيه الرسمي، الذي كان مهابا إلى وقت قريب، يقف في صمت في انتظار جواب على سؤاله، قبل أن يضيف "هل سنسرق؟ نحن أولاد ناس أيضا، ولدينا قيم وأخلاق، ونسبة كبيرة من الشباب ترفض ابتزاز المواطنين وأخذ رشوة منهم، ولهذا يلجأ البعض إلى القيام بأعمال أخرى، تذر عليه دخلا إضافيا لكي يعيش بكرامة".
إلا أن" س.خ"، ليس متفقا على أن يتوجه رجل الأمن للتسول كما فعل زميلاه في شمال البلاد، قائلا "كيفما كان الحال كان يجب أن يحترما الكسوة (اللباس الرسمي)".
وكشف محدثنا، أنه يعرف عددا من زملائه الذين يفضلون القيام بمهام ليلية، بعيدا عن فضول الأعين التي يمكن أن تكشف هوياتهم الحقيقية، وقال إنه سمع عن أشخاص يشتغلون في الفنادق أو في بعض المراقص، ويقومون بمهن تتنوع بين العزف على إحدى الآلات الموسيقية و الحراسة.
ورغم أن الجهات المسؤولة في وزارة الداخلية، فتحت أعينها أكثر من أي وقت مضى لضبط ومعاقبة أي رجل أمن يزاول مهاما أخرى تخل بسمعته خارج أوقات عمله، إلا أن المعنيين بالأمر لا يبالون كثيرا بهذه القضية، وفي انتظار أن تحسن الدولة ظروفهم وترفع قيمة رواتبهم، لن يفاجأ المواطنون عندما يوقفهم شرطي في الطريق العام، فقط ليطلب منهم "قهيوة" وهذه الكلمة هي رمز سري بين رجال الأمن والمواطنين، يعني "رشوة بسيطة"، مقابل السماح بالمرور، وقد لا يتجاوز ثمن هذه "القهيوة" عشرة دراهم (أقل من دولار)، ومع ذلك يكفي هذا الثمن، لتمر السيارة مرفوقة بتحية "خجولة" هدية من الشرطي.
المصدر: قدس برس
إضافة تعليق جديد