دراما رغيف الخبز الوطني

13-02-2008

دراما رغيف الخبز الوطني

وأمام تكرار مطالب الحرفيين على مدى السنوات الماضية بإعادة دراسة تكاليف صناعة الرغيف وأمام تجاهل المعنيين باعتبار الخبز خطاً أحمر..نقول:

تحت ستار حماية مادة الخبز والحفاظ على سعرها تنتهك أقدس المهن..وتخرق الأنظمة والقوانين..بدءاً من تهريب الدقيق التمويني المدعوم وابعاده عن غايته الاساسية..ويُفسح المجال لمعامل المعجنات والأفران السياحية ان تستجره تهريباً وتكوي بنار اسعارها اللاهبة شريحة المستهلكين العظمى..وهل تبقى المرجعيات الوصائية تتفرج على هذا الواقع الذي يكلف الخزينة العامة سنوياً عشرات المليارات من الليرات؟..‏

حاولنا سبر أعماق القضية وعرض أبعادها عسى يتم الوصول الى حل يرضي الأطراف المعنية بصناعة الخبز ولاسيما التمويني منها..‏

حكاية /32/مليار ليرة كدعم‏

تشتري مؤسسة الحبوب كغ القمح من الفلاحين بسعر /13/ ليرة وتبيعه للمطاحن بمبلغ /16/ ليرة وتقل تكلفة طحن الكغ الواحد الى /21/ ليرة في حين تبيعه المطاحن للأفران بسعر /8,4/ ليرة فقط كنوع من الرعاية الأبوية.‏

وحسب وزارة الاقتصاد فان هذه الرعاية تكلف الخزينة العامة وسطياً في العام /32/ مليار ليرة لا يدخل فيها حساب النفقات الادارية ومستلزمات عملية الدعم وأجور جهاز حماية المستهلك وممثلي اللجان المعنية..‏

لكن من الأمور المستغربة أن يذهب الدقيق التمويني في بعض المحافظات كعلف للحيوانات..وتستجره الأفران السياحية ومعامل المعكرونة والشعيرية الخاصة تهريباً بالسعر شبه المدعوم لتبيعنا إياه كمستهلكين بأسعار فوق السياحية؟!‏

/1,2/مليار عائدات غير مشروعة‏

وفي إطار مخالفات نهب المال العام نجد أكثر من /1,2/ مليار ليرة تعتبر من عوائد تجارة الدقيق التمويني غير المشروعة..وبمعنى آخر أصبحت السلع المدعومة باباً للفساد الى جانب اشغال المرجعيات المختصة في أمور هي في غنى عنها..ورغم تنظيم أكثر من مئة ألف مخالفة تموينية العام الماضي..‏

وهناكان الأجدر بوزارة الاقتصاد أن تعتمد الى إصلاح الخلل وإيجاد نوع من التوازن بين تكلفة انتاج الخبز وهامش الربح الحقيقي للأفران..‏

بهدف تلافي العقبات التي تعترض الحرفيين صناع الخبز وايجاد نوع من التوازن بين القرارات والحلول المتخذة تداعى الاتحاد العام للجمعيات الحرفية منذ ثلاث سنوات الى عقد مؤتمر نوعي وطني لصناعة الخبز.‏

واقترحت فيها قيادة التنظيم الحرفي اعداد دراسة تفصيلية لبيان التكلفة الحقيقية لانتاج الرغيف وتسليم الدقيق حسب الأوزان وليس بعدد الأكياس, وطلب المساواة مع القطاع العام الذي يتمتع بأفضلية نسبية في تصنيع الرغيف وسعر مبيعه وتحسين وضع مادة الخميرة واعتبار فاتورتي الكهرباء والماء للافران التموينية خدمية وليست تجارية..‏

ورغم حضور كافة الجهات المعنية هذا المؤتمر وبعد انقضاء ثلاثة أعوام لم يلمس صناع الخبز أي أثر ايجابي له؟!..‏

وحسب الجمعية الحرفية لصناع الخبز بريف دمشق فان نسبة مخصصاتها /50%/ من اجمالي مخابز المحافظة البالغة /234/ مخبزاً يحصل منها /116/ فرناً مع كمية /1,5/ طن دقيق وما دون والباقي لا تزيد مخصصاته عن /3/ طن باستثناء ستة افران لكل مخصصاتها الى سبعة أطنان..‏

ويوجد /33/ مخبزاً يعمل في كل منها وسطياً أربعة عمال ومخصصاتها تتراوح من الطن الى النصف طن دقيق وحسب مسؤول سابق في وزارة الاقتصاد فإن الربح الصافي لتصنيع طن الدقيق لا يتجاوز /150/ ليرة.‏

فإذا كانت مخصصات الفرن نصف طن هل يعقل ان يعمل لجني عائدات فقط /75/ ليرة أمام زحمة ارتفاع الاجور والتكاليف الحياتية؟ أم ندفعه الى الغش والتدليس بأساليب متنوعة أسهلها تهريب الدقيق وبيعه لتحقيق عائدية أفضل مع التقليل من نفقات التشغيل لاسيما وان الفارق السعري بين طن الدقيق التمويني والزيرو يصل الى حوالي /20/ ألف ليرة حالياً..‏

أما في العاصمة وأمام التناسب العكسي بين حساب سعري التكلفة والمبيع وبسبب الخسارة وارتفاع الأعباء الضريبية وأسعار المواد انخفض عدد الأفران من /365/ فرناً الى /174/ فقط أي /191/ أغلقت أبوابها وتحولت الى مهن أخرى؟!..‏

وحسب جمعية صناع الخبز بدمشق فان كل الاجتماعات مع مرجعياتها الوصائية والجهات المعنية لم تثمر..وإنما أخضع الحرفيون للمساومة بان سعر الخبز خط أحمر ممنوع الاقتراب منه..وبالمقابل ليس بالامكان تخفيض سعر الدقيق لانه يزيد من عجز صندوق الدعم كما قالت المالية..‏

وإذا كانت الحكومة تتحمل خسارة مخابزها الآلية والاحتياطية..يسأل الحرفيون: كيف سيسدون هذا العجز إذا لم يعمدوا الى الغش بالانتاج أو الاتجار بالدقيق المدعوم..وهل سيدوم الانتظار الى انقراض الأفران الخاصة من دمشق..‏

التهريب..بضاعة رائجة..‏

أمام الواقع الراهن وعدم جدوى العمل النزيه في صناعة الرغيف وحسب جمعية دمشق فان مجموعة من أفرانها امتهنت الاتجار بالدقيق التمويني عوضاً عن تصنيعه للاقلال من الخسارة ولارتفاع هامش الربح الكبير هذه الأيام بين سعر الطن التمويني /8/ آلاف ليرة والحر /27/ ألف ليرة..‏

أما في ريف دمشق والتي بلغت مخصصات أفرانها العام الماضي المائتي ألف طن دقيق تمويني ضبط منها /165/ فرناً مخالفاً..‏

والى جانب تهريب الدقيق ارتكبت مخالفات نقص الوزن وسوء التصنيع والبيع بسعر زائد وبنسبة مخالفات /65%/..‏

ولأخذ العلم فإن اجراءات مديريات التجارة الداخلية في حال مخالفة الأفران يتم حسم جزء من المخصصات فقط ولا تغلق إلا في حالات نادرة..‏

يقول الحرفيون ان سعر مبيع الخبز على حاله منذ /1998/في حين طرأت عدة زيادات على أسعار الماء والكهرباء واليد العاملة والمواد الداخلة في التصنيع وخطوط الانتاج وحتى إن أوزان اكياس الدقيق تنقص أحياناً الى خمسة كيلو غرامات يسدد ثمنها لشركة المطاحن.‏

وتداعت جمعيات صناعة الخبز في دمشق وريفها وحلب وريفها واللاذقية الى اعداد دراسة لتكاليف صناعة الرغيف اودعتها لدى اتحادها العام والمرجعيات المختصة في وزارة الاقتصاد ومجالس المحافظات..‏

تقول الدراسة: إن طن الدقيق التمويني الفعلي هو /990/ كغ سعره /8025/ ليرة يضاف اليها /250/ ليرة أجور نقل وتحميل وتنزيل و/227,5/ سعر /17,5/ كغ خميرة و/62,90/ ليرة ثمن /17/ كغ ملح لكل /99/ كغ دقيق و/1036/ ليرة سعر /140/ ليتر مازوت و/45/ ليرة ثمن زيوت لدهن القطاعة والعجانة والخزانات ومجموع /9646,4/ ليرة..‏

أما أجور التصنيع فحسبت /1750/ ليرة لتصنيع /990/ كغ دقيق بشكل كامل يضاف إليها /385/ ليرة رسوم تأمينات اجتماعية بواقع /17%/ وبنسبة /5%/ حقوق عمالية و /650/ ليرة مصاريف كهرباء ومياه وأجور عقارات ورسوم خدمات وجمعية وصيانة اسبوعية وشهرية وسنوية واصلاحات وقطع تبديل واستهلاك آلات..وبمجموع كلي /12431/ ليرة تكلفة صناعة /990/ كغ دقيق..‏

ويكون المردود الفعلي للتصنيع /1140/ كغ خبز وبعد حسم نسبة الهدر /1%/ يكون الناتج الفعلي لتصنيع /990/ كغ دقيق هو /1128,6/ كغ خبز..‏

وبحساب الكلفة /12431/ تقسيم المردود /1128,6/ يكون الناتج هو /11,014/ ليرة تكلفة انتاج كغ الخبز الواحد وبحساب هامش الربح /10%/ يكون المبيع بسعر /12,13/ ليرة مع احتساب نسبة الهدر من العطاء العيني للعمال..‏

وبعد اطلاع الاقتصاد على الدراسة احتسبت التكلفة النهائية لانتاج /990/ كغ دقيق هي /11413/ ليرة..لكنها لم تتخذ أي إجراء..‏

وحسب هذه الجمعيات انه منذ /1991/ ولغاية الآن لم يتم اجراء اي دراسة تفصيلية لواقع صناعة الرغيف الامر الذي دفع بصغار الحرفيين الى العزوف عن المهنة واللجوء الى اعمال اخرى حيث تم ترقيم /35%/ من اجمالي المخابز العاملة في كافة المحافظات..هذا بالنسبة للافران التموينية..‏

وفيما يخص المخابز السياحية للسندويش والهمبرغر من الدقيق الحر كان يحدد سعر الدقيق والخبز بقرار من الاقتصاد..لكن وبعد تحرير سعر الخبز السياحي واحداث المطاحن الخاصة لم يقرر سعر خبز السندويش مع ان مصدره الدقيق الحر..‏

ومنذ عام /2005/ ولغاية الآن لم تفلح جهود الحرفيين لدى الاقتصاد بتحرير سعر خبز السندويش أسوة بالقرار /717/ حيث تلطت وزارة الاقتصاد وراء موافقة رئاسة مجلس الوزراء /1111/ لعام 2003 والقاضية بتحرير اسعار الخبز السياحي دون تسمية خبز السندويش وأنواعه.‏

وكان المتعارف عليه ان تسعير المادتين وفق معايير الاقتصاد والتجارة حسب السعر والمواد الداخلة فيه..لكن الغريب ان الوزارة تخلت عن دورها لصالح المكاتب التنفيذية للمحافظات..‏

وكان خبز السندويش بأنواعه يسعر على ضوء ثمن الدقيق الحر الموزع..لكن تم تحرير سعر الخبز السياحي منذ /1999/ ولغاية الآن ورغم الزيادات السعرية الهائلة لطن الدقيق الحر /27/ الف ليرة وارتفاع اجور اليد العاملة وارتفاع قيم فواتير الماء والكهرباء والمواد المحسنة الداخلة بالصناعة مازالت مجالس المحافظات ترفض تعديل السعر..‏

وحسب جمعية صناع الخبز بدمشق فان سعر مئة كغ دقيق حر /2500/ يضاف اليها /25/ ليرة أجور نقل وتحميل و/40,5/ سعر /1,5/ كغ سكر و/200/ ليرة محسنات و/9/ ليرات ثمن /2/ كغ ملح و/186/ ليرة ثمن /2/ كغ خميرة جافة و/150/ ليرة سعر /2/ كغ زيت نباتي و/111/ ليرة سعر /15/ ليتر مازوت و/700/ ليرة اجور عمال و/150/ ليرة كهرباء ومصاريف و/154/ ليرة تأمينات اجتماعية فان اجمالي التكلفة يبلغ /4225,5/ ليرة لحساب /119/ كغ خبز يكون المردود /35,50/ ليرة للكغ يضاف اليها /10%/ هامش ربح تصبح /39,59/ ليرة يضاف ليرة واحدة لكيس النايلون والتعبئة لتصبح /40/ ليرة كلفة الكغ الواحد يضاف اليها خمس ليرات في حال اضافة السمسم أو حبة البركة..‏

وقالت جمعية دمشق ان عضو المكتب التنفيذي بالمحافظة سبق ووعد الحرفيين بتشكيل لجنة لدراسة واقع الرغيف السياحي خبز السندويش بأنواعه منذ ثلاثة اشهر.‏

كما وعد باجتماع دوري شهرياً لمنافسة واقع صناعة الخبز..لكن لغاية الآن لم تشكل لجان الدراسة والاجتماع الدوري لم يتم..‏

وقام بلوم الحرفيين لمطالبتهم بزيادة التعرفة حالياً متسائلاً: لماذا لم يطالبوا بزيادتها خلال دورة المكتب التنفيذي السابقة؟!‏

وقال الحرفيون ان المحافظة لامت مديرية التجارة الداخلية بدمشق لانها اعدت دراسة مفصلة لواقع صناعة الخبز..‏

ويبدو ان المديرية تأثرت بسلبية المحافظة حيث اعتذر المدير عن الرد على اسئلتنا بحجة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لموضوع الخبز عموما..وان القضية مع المحافظة؟!..‏

ويبدو من خلال مراسلات جمعيات صناع الخبز لدى مرجعياتها الوصائية والمعنية لا حلول في الأفق..وأمام عجز اتحاد الحرفيين فان واقع الحال ينبئ الى مزيد من الفوضى في سوق صناعة الخبز وتحديد خيارات التهريب كأفضل الحلول لتغطية العجز والخسائر والاستعداد لتحمل تبعاته أو اللجوء الى أهون الشرور وهو ترقين قيد الافران واغلاقها ويا دار ما دخلك شر..‏

أو البيع بسعر التكلفة والتعرض للمساءلة ان وجدت من دوريات حماية المستهلك الغائبة اصلاً..‏

عدنان سعد

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...