خراب البصرة
أين هم الآن، الذين صفقوا وطبلوا مرحبين باحتلال العراق؟ أين هم الآن، أولئك الذين شنوا على كل من عارض الاحتلال، حملة قاسية، وبيانات تنديد وتخوين؟ أين هم الذين رقصوا على مزامير المحافظين الجدد، وغنوا معهم أناشيد اليوم الأخير من التاريخ، وقدموا لهم التبرير الاخلاقي، لهذه الحرب الخرقاء، التي وفرت للموت وللغلو والإرهاب كل الحاضنات الملائمة، في أكثر من مكان؟
ها هو “الفيلم” البائس في العراق، لا يلقى سوى تصغير النظارة في جميع انحاء الدنيا، وها هم المخرجون والممثلون وكتبة السيناريو الملفق، وحملة المباخر، وصبية الفيلم، يعترفون بأن “الفيلم” كان كارثة بكل المقاييس، وان الذي ذبح وسلخ جلده، وامتص نخاعه ودمه، هو العراق وحده، الناس والوطن والمستقبل.
منذ اليوم الأول، للتحضير الإقليمي والدولي لهذه الحرب الخرقاء، قرعنا الاجراس في هذه الجريدة، وعارضنا كل تبريرات الحرب، ونصحنا هؤلاء الذين لا يستطيعون رؤية هذا العالم إلا بشكل خوذة أمريكية أو “إسرائيلية” ويندفعون برعونة غير مسبوقة، وبتسارع كارثي نحو الهاوية.. نصحناهم بالتعقل، وكشفنا لهم مدى ما حملته حملة الحرب السوداء من كذب وخداع وتلفيق، يصيب الضمير بالقشعريرة.
.. وهذه الحملة.. مازالت مستمرة، وارتداداتها السوداء، تلوح في أفق أكثر من مكان في الوطن العربي، في فلسطين ولبنان، وربما في ابعد من فلسطين ولبنان.
ان الاصابة التي وقعت بالعراق هي اصابة بالغة، بل مرعبة.
وها هي الفأس وقعت كلها في الرأس العربي، خاصة الرأس العربي الخليجي، وتضاعف الارباك، وانعطبت البوصلة الاستراتيجية، وها هي المنطقة تواجه، ما فرت منه طوال عقد ونصف العقد من الزمان، تحت مختلف الذرائع الملتبسة، وفي المحصلة شلل قومي ساطع.
نعم.. ان الاقنعة تتساقط تباعاً، بعد أن اتسعت وتورمت على وجوه واقلام عديدة وسعت بمختلف الوسائل الى تمويه أدواتها ونياتها وخطبها، وتجاسرت كأدلة للغزاة وكمروج للاحتلال، وساقت العراق بالقتل والفتنة والطوائفية والتدمير الى ما قبل الحرية، وما قبل الانسان. الموت في العراق، لا يليق به الاعتذار، مثلما الحديث بنصف لسان عن كارثة الحرب على العراق، أما الذين ارتكبوا فواحش الكلم السيئ، فلن يبرؤوا أنفسهم حتى ولو اغتسلوا بدماء أبناء العراق. سقط فقهاء الحرب لكن.. بعد خراب “البصرة العراق”.. والخشية، ان يمتد هذا الخراب الى ما بعد، بعد العراق.
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد