جائزة نوبل للمشهد الصوتي
استحدثت الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا ميلين باردوين مهنة لنفسها سمتها «عالمة آثار للمشهد الصوتي» من أجل إحياء أصوات منسيّة وتعويد الاذن على أجواء الماضي. انطلقت هذه المرأة النحيلة والقصيرة القامة والمفعَمة حركة من الصفر. غادرت في سن الثلاثين صفوف الجيش لتدخل الجامعة «من الباب الجانبي» إذ إنها لم تكن حاصلة على شهادة الثانوية العامة. وهي كانت تحلم بدراسة التاريخ الا انها توجّهت الى علم الموسيقى لعدم توافر المقاعد في الاختصاص الاول. وقد حققت هذه الخبيرة في الموسيقى العسكرية الشغوفة بالتاريخ، حلمها جراء خبرة حصلتها من خلال عملها في المتاحف فهي تغوص في الماضي لاستعادة محيطه الصوتي.
يستعيد مشروع باردوين الكبير المسمّى «بيرتيز» تيمناً بخبير الخرائط الذي أنجز خريطة شهيرة لباريس في العام 1730، الأصوات والضجيج في حي غران - شاتليه شارعاً بشارع جسراً بجسر ومتجراً بمتجر. وبالاستماع الى «هذه اللوحة الصوتية الكبيرة» يمكن للسامع الالتقاء بالبائعات الجوالات والحيوانات التي تقاد الى المسلخ ومياه نهر السين... هذه المقاربة الجديدة من خلال الاذنين تسمح «بعيش التاريخ» على ما تقول الباحثة. وتضــيف هذه المرأة الخمسينية «أنا لا أخترع أصواتاً ولا ابتكر أصواتاً». بمساعدة خبراء ومــؤرخين تستعيد المهن الغابرة وأدوات الماضي. وتسجل الأصوات التي تصدرها «وتعيدها الى إطارها».
في القرن الثامن عشر كانت الشوارع ضيقة ومواد البناء مختلفة فيما الجسور تعلوها منازل. ولم يكن للأصوات «النكهة نفسها». وتقول الباحثة مبتسمة «الواجهة الخشبية لا تصدر الصوت نفسه مثل الجــدار الحجــري».
وهي تغوص منذ أكثر من عشر سنوات في ارشــيف الماضي لإحياء هذه الشوارع التي مُحــيت اليــوم. وتؤكد ميلــين باردوين التي تعمل فــي معــهد علوم الإنسان فــي ليــون «الجــيش والأبحــاث مجالان مخــتلفان إلا ان الاول علّمــني أن أنجــز كل ما أقوم به».
وتوضح الباحثة الشغوفة بالتفاصيل «من خلال إسماع اصوات الماضي اريد ان ارفع الوعي بأصوات الحاضر. فالكثير من الناس اليوم يتنزّهون مع سماعات على الاذنين ولا يستمعون الى العالم». اما هي عالمة الموسيقى فلا تنفك تسمع وتصغي مستفيدة من خبرتها كفنية ميكانيك للمروحيات سابقاً، وهو عمل كان يتطلب «تشغيل كل حواسي». وتشير إلى أن «الطفل يستمع الى كل شيء، لكن عندما نصبح بالغين تشغلنا اهتماماتنا وتقطعنا عن كل ما هو جماعي».
تؤكد الباحثة أن «الصوت مهم وهو ينتج مشاعر. وهذه المشاعر والانفعالات هي التي تحفزنا». وهي تحاول بنشاط أن تسمع أصوات المدينة الى الراغبين «لكي تنفتح حواسنا». وهي تجمع في هذا الإطار ذكريات قوية. فقد قــال لهــا طفــل في الثامنة استمع الى استعاداتها الصــوتية «هذا أفضل من أساسينز كريد (لعبة الكترونية شهيرة)».
وختمت بالقول «مع هذا الصبي الصغير حصلت على جائــزة نوبل للمشهد الصوتي».
(أ ف ب)
إضافة تعليق جديد