ثلاثة ترليونات دولار: كلفة الحرب على العراق
كان الرقم يتراوح بين 50 و60 مليار دولار ـ كلفة الحرب الاميركية في العراق ـ والنزاع حول دقة الارقام لا يتخطى مليارات معدودة، فكيف قفز الرقم إلى التريليونات ؟
حين قال المستشار الاقتصادي للرئيس الاميركي جـورج بـوش، لورانـس لاندسي، عنـد غـزو العراق، إن تكلفة الحرب قد تبلغ 200 مليار دولار كحد أقصـى، اسـتنكر وزيـر الدفاع آنذاك دونالـد رامسـفيلد هذا التـقـدير «الهرائي»، وبلـغ الامـر بنائبه بول وولفـويتز حـدّ الزعم بأن تكاليف إعادة إعمار العراق سـيتم تسـديدها بواسـطة عـوائـد النـفـط.
وكان رامسفيلد ومدير مكتب الادارة والموازنة ميتش دانيالز خلصا إلى أن التكلفة الاجمالية للحرب ستتراوح بين 50 و60 مليار دولار، معتقدين أن بعض هذا المبلغ ستموله دول أخرى.
لقد طلب البيت الابيض، في السنة المالية 200 ,2008 مليار دولار لتمويل حربيه في العراق وأفغانستان. وإذا وافق الكونغرس على الطلب (كما سيفعل على الارجح) فإن القيمة الاجمالية لمخصصات العمليات المباشرة في هذين البلدين، منذ بدء الحرب فيهما، ستبلغ 800 مليار دولار، بينها 600 مليار دولار للعراق وحده - أي أكثر بعشرة أضعاف من «تخمين» رامسفيلد خلال مطلع الحرب.
لكن حتى الـ600 مليار دولار هي مبلغ خاطئ. فالكلفة الحقيقية لحرب العراق، ستبلغ، إلى أن تحرر الولايات المتحدة نفسها منها، ما يعادل ثلاثة تريليونات دولار. وهو مبلغ منصف تم التوصل إليه بعد حسابات ملية ومفصّلة أجرتها مجلة «فانيتي فاير» الاميركية، التي أكدت أن «التكلفة النهائية قد تكون أكبر بكثير».
شرحت المجلة العمليات التي اعتمدتها للتوصل إلى هذا الرقم الهائل، مؤكدة أن الادارة استخدمت صيغاً «مضلّلة» في حساباتها، أسوأ ما فيها أنها أغفلت «التراكم» في التكاليف والموجبات المالية المستقبلية الضخمة للغاية في حالة العراق، وخاصة تراكم التكاليف الطبية لمئات الالاف من المحاربين القدامى.
أضف إلى ذلك أن الكثير من تكاليف الحرب يتم ضمها إلى وزارات أخرى غير الدفاع، فلا تظهر في مخصصات موازنة الحرب. كما أن الكثير من تكاليف الحرب يتم تمويلها من أطراف ثالثة، ما يسمح للادارة بإخفائها.
ومن أجل احتساب عادل ودقيق، لجأت المجلة إلى الخطوات التالية:
ـ تسجيل جميع المخصصات الرسمية للحرب منذ بدئها، والتي بلغت بمفردها أكثر من 600 مليار دولار؛ ثم إضافة نفقات العمليات المخفية في موازنة الدفاع، وبلغت 110 مليارات دولار (في العراق وحده)، وفق تحليلات خبراء عسكريين. وبعدها، تصحيح التضخم الذي لحق بالدولار منذ بدء الحرب. هذه الخطوات الثلاث ترفع القيمة الاجمالية إلى 800 مليار دولار.
ـ احتساب القيمة التقديرية لنفقات العمليات المستقبلية (المباشرة والخفية)، لفترة لن تقلّ في أفضل الاحوال عن مدة 12 شهراً إضافية (أي بحلول نهاية العام 2009)، فنضيف إلى الـ800 مليار دولار 520 مليار دولار أخرى.
ـ جمع تكاليف الخدمات الطبية المتراكمة للجنود العائدين من الحرب، والتي لن يقلّ عدد المستفيدين منها في أفضل السيناريوهات عن مليوني و100 ألف جندي (سيكونون قد خدموا في العراق قبل انتهاء الحرب)، وستكون كلفة هذه (بالقياس إلى حرب الخليج مثلاً) نحو 590 مليار دولار.
ـ يضاف إلى هذه الارقام، كلفة إعادة ترميم الجيش (280 مليار دولار)، والخدمات الاجتماعية لقدامى المحاربين (38 ملياراً)، فسيبلغ المجموع 2.2 تريليون دولار. وهو ليس المبلغ النهائي بعد!
يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة اقترضت أموالاً لشنّ حرب العراق. فإذا ما احتسبنا أقساط هذه القروض المسددة مع فوائدها خلال السنوات العشر المقبلة (615 مليار دولار)، سترتفع كلفة الحرب الاجمالية إلى 2.8 تريليون دولار.
أضف أيضاً الخسائر الناجمة عن زعزعة الاقتصاد الاميركي، لجهة سحب مليون يد عاملة على الاقل للقتال في العراق، وانعكاس ذلك على عائلات هؤلاء وقدراتها الشرائية... كل ذلك سيكون قد ألحق بالسوق خسارة لا تقل عن 370 مليار دولار. وإذا احتسبنا تأثير الحرب الواسع النطاق على الاقتصاد الاميركي (سعر الدولار والنفط)، وتداعيات ذلك، فسنلحظ خسارة لا يقل متوسطها عن 1.9 تريليون دولار.
الكلفة الاجمالية للحرب إذاً تتراوح بين 2.2 تريليون دولار (إذا تجاهلنا القروض وفوائدها مع خسائر الاقتصاد) وأكثر من خمسة تريليونات دولار!
والمخيف أن الحد الاعلى من كلفة حرب العراق يقارب كلفة الحرب العالمية الثانية (خمسة تريليونات دولار). وإذا بقينا في العراق لسنتين أخريين، فسترتفع الكلفة الاجمالية للعمليات العسكرية وحدها إلى ما يعادل ضعف نظيرتها في حرب كوريا، وأربعة أضعاف الحرب العالمية الاولى.
لنكن معتدلين إذاً، ونعتبر أن كلفة الحرب لن تتجاوز الثلاثة تريليونات. وهي، طبعاً، كلفة خسائر الولايات المتحدة وحدها... من دون العراق وبقية العالم.
المصدر: السفير نقلاً عن «فانيتي فير»
إضافة تعليق جديد