تقارير تفتيش بملايين الليرات باتت مهددة باللامبالاة
لاشك في أن الأجهزة الرقابية الحكومية هي المعنية أولاً بمكافحة الفساد الذي تفاقم واتسع بعدة صور وأشكال في العديد من الدوائر والمؤسسات الحكومية.. حيث يختص الجهاز المركزي للرقابة المالية برقابة الجهات الحكومية ومعالجة حالات الخلل والفساد وهدر المال العام التي تحصل لدى تلك الجهات وفق قانون خاص بالجهاز. فقد نصت المادة الثانية منه بأن الجهاز هيئة رقابية مستقلة ترتبط برئيس مجلس الوزراء وتهدف أساساً إلى تحقيق رقابة فعالة على أموال الدولة، ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية الإدارية والاقتصادية لمسؤولياتها من الناحية المالية، ويختص بتدقيق وتفتيش حساباتها.. وتبلغ نتائج التحقيق إلى الجهات المعنية لتنفيذها وإبلاغ الجهاز بما يشعر التنفيذ خلال شهر من تبلغها.. وإذا أسفر التحقيق عن وجود جرم جزائي يحيل رئيس الجهاز نتائج التحقيق مع الأوراق المثبتة إلى القضاء المختص.. على حين تبين وجود العديد من التقارير الرقابية التي أخذت طريقاً آخر بعيداً عن المحاسبة والتنفيذ ولأسباب بعيدة حتى عن أهداف ونظام الجهاز نفسه.. إذا كنا قد اعتدنا على قيام بعض الجهات الحكومية بتمييع بعض التقارير وعدم وضعها بالتنفيذ، لكن الغريب في الأمر أن الخلل في تنفيذ هذه التقارير قد حصل من رئاسة الجهاز نفسه التي تركت تلك الجهات تميع تقاريرها دون متابعة التنفيذ وإلزامها بذلك.. لهذا فمن المفيد أن نشير إلى بعض المخالفات المرتكبة لدى بعض جهات القطاع العام في محافظة إدلب منذ عدة سنوات وأدت إلى هدر وضياع للمال العام واحتمال سقوطها بالتقادم وذلك بسبب عدم المتابعة الجدية من رئاسة الجهاز..
فقد سبق أن طلب محافظ إدلب من فرع الجهاز بإدلب التدقيق والتحقيق بسرقة أربعة ملايين ل.س من أموال إحدى الجمعيات الفلاحية، ونتيجة طلب الموافقة من رئاسة الجهاز تكليف فرعها بادلب من أجل التحقيق في هذه القضية أجاب رئيس الجهاز بإبلاغ المحافظ إحالة الموضوع إلى الجهات المختصة للتحقيق، وكأن الجهاز غير مختص بذلك، وهذا خلافاً لقانون الجهاز الذي نص على: (قيام الجهاز بأعمال التفتيش من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الجهات العامة أو بناء على إخبار صريح مقدم من المخبر) فكيف إذا كان الإخبار من رأس السلطة في المحافظة.
وفي المخالفات المرتكبة من فرع إحدى الشركات العامة وفق التقرير التحقيقي رقم 5 س. ق– م- ع /4– 2007 انتهى إلى صرف مبلغ نحو 5.13 ملايين ل.س لقاء أرباح دون وجود مستند قانوني يجيز صرفها إضافة إلى صرف 500 ألف ل.س إلى المدير العام والمديرين المركزيين كمكافآت خلافاً للتعليمات الحكومية النافذة..
وكذلك التقرير التحقيقي رقم 13 س. ق /4 – 2009 المتعلق بالمخالفات المرتكبة لدى أمانة سر محافظة ادلب (موضوع تعويضات اللجنة الإقليمية) وتم صرف مبلغ 11 مليون ل.س خلافاً للقانون 41 المتعلق بأسس صرف هذه التعويضات، على حين تبين بأن رئيس الجهاز لم يعتمد التقرير، ووضعه بتصرف وزير الإدارة المحلية السابق آنذاك، وحتى تاريخه لم يتم تنفيذ التقرير، علماً بأن هذه المخالفات حصلت في جميع المحافظات وتقدر الأموال المصروفة والمهدورة بملايين الليرات السورية.
كما صدر التقرير التحقيقي رقم م. ع /4– 2009 الذي أشار إلى صرف أكثر من 8 ملايين ل.س قيمة أجهزة وأدوات طبية مسروقة من المستودعات ولم تدخل بشكل أصولي وذلك عن طريق مذكرات إدخال وإخراج، وبالنتيجة أحيل أمين المستودع إلى القضاء بتهمة رشوة المفتش، ولكن تبين بأن التقرير لم يعتمد من رئيس الجهاز بل أحاله إلى وزير الصحة وحتى تاريخه لم يعرف مصيره.
أما التقرير التحقيقي رقم 14– م. ع -2009 المتعلق بصرف 3 ملايين ل.س لقاء حوافز دون مستند قانوني لدى شركة سكر الغاب، فتم وضعه بتصرف وزير الصناعة وحتى تاريخه لم يعرف مصيره..
وإحالة هذه التقارير إلى خارج الجهاز بتصرف وزراء ترى فيها بعض الجهات المعنية المطلعة تهرباً من المسؤولية من رئاسة الجهاز ومخالفة لقانون الجهاز نفسه الذي نص على وجوب تحقيق رقابة فعالة على أموال الدولة ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية الإدارية والاقتصادية لمسؤولياتها من الناحية المالية.
وإذا كان الجهاز المركزي للرقابة المالية معنياً بضبط حالات الفساد ومعالجتها فإن تقاريره المعتمدة واجبة التنفيذ تحت طائلة إجراءات عقابية تضمنها قانون الجهاز نفسه، بمعنى أن آليات مكافحة الفساد تمر عبر صلاحيات وتقارير الجهاز.. وما نشهده من حالات الخلل المالي والفساد الإداري وتكرار بعضها لدى عدد من الجهات الحكومية بات يدل على قصور واضح في الأداء الرقابي، وإذا كنا قد اعتدنا على قيام بعض الإدرارت المركزية والمحلية بالتطنيش على تنفيذ تقارير تدين عاملين فيها، فإننا يجب ألا نعتاد على قيام رئاسة الجهاز نفسها بتمييع تقاريرها سواء بعدم اعتمادها أو عدم متابعة تنفيذها أو إحالتها إلى جهات أخرى وعدم تركها إلى الجهات المدانة نفسها دون متابعة تنفيذها!!
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد