تداعيات فشل الجيش في كواليس الحكومة الإسرائيلية
أكدت مصادر إعلامية إسرائيلية، امس، أن القيادة السياسية والعسكرية تؤمن بأن العملية الحربية استنفدت أغراضها وأن توفير وقت أطول للجيش لن يغير جوهرياً من الصورة الراهنة للمعطيات الميدانية. وقادت الخسائر البشرية المرتفعة في صفوف الجيش والمدنيين الإسرائيليين، إلى إدراك بأن من الواجب السعي الآن للتوصل إلى اتفاق لوقف النار. ومع ذلك فإن صباح أمس حل بشعور بقرب التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، سرعان ما استبدل مساءً بإحساس بابتعاد نهاية هذه الحرب.وشددت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس كرّسا وقتهما، في اجتماع الحكومة الإسرائيلية أمس، من أجل الدفاع عن موقفيهما من هذه الحرب. وبحسب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، فإن أولمرت الذي ينتقد الجيش في أحاديثه المغلقة ويتهمه بأنه لم يحقق وعوده، قال إن من حظ إسرائيل أن عملية الاختطاف نجحت. وأشار إلى أنه لولا عملية اختطاف الجنود لما أمكن لإسرائيل أن تتعامل مع الواقع العسكري الذي تبدى لها من المواجهات مع حزب الله. وانتقد من طرف خفي رؤساء الحكومات السابقين الذين كانوا جنرالات ولم يفهموا خطر حزب الله.
أما بيرتس فشدد على أن كل ما طلبه الجيش من مصادقات حصل عليه. وانتقد الوزراء الذين يوجهون الانتقادات لعدم توسيع العملية البرية، معتبراً أنه لو عرض توسيع العملية حتى الليطاني على الحكومة لما أيدها أحد منهم.
وفي الوقت الذي بات فيه اولمرت وأجهزة استخباراته يركزون على ان الممر الإنساني يخدم عملية إعادة تسليح حزب الله، تراجع الحديث عن توسيع العملية البرية. ويقول معلقون أن هناك قناعة مشتركة لدى الأميركيين والمستوى السياسي الإسرائيلي على حد سواء، بأنه لا جدوى بعد من توسيع العملية العسكرية وأنه لم يعد بوسع الجيش تحقيق إنجازات أكبر من تلك التي حصل عليها. ولذلك ليس على إسرائيل أن توافق على وقف النار وإنما ينبغي لها أن تعمل من أجل تحقيق هذه الغاية.
ويرى معلقون إسرائيليون أن من المتوقع صدور قرار دولي بوقف النار إما الثلاثاء أو الأربعاء. ولكن ليست هناك قناعة بأن يتمكن أحد من فرض القرار على حزب الله. وهكذا فإن على المؤسسة العسكرية أن تحدد موقفها مما يجب فعله بعد صدور القرار الدولي. ويشير هؤلاء إلى أنه في أعقاب الصلابة التي أبداها مقاتلو حزب الله والخشية الإسرائيلية من التقدم البري، باتت إسرائيل أمام ثلاثة خيارات: الأول هو الاكتفاء بتطهير المنطقة التي قررت السيطرة عليها وهي في حدود خمسة إلى ثمانية كيلومترات. وهذا يعني استمرار القتال والصواريخ. والثاني التقدم الى الليطاني مع ما يعنيه ذلك من تجنيد قوات احتياطية جديدة وتوسيع القتال مع استمرار أخطار الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. والثالث هو الإعلان عن تطهير المنطقة الحالية والشروع بالتراجع مع إبقاء السيطرة النارية بوسائل شتى على المنطقة. ويعتقد معلقون أن إسرائيل تفضل الخيار الثالث لأسباب مختلفة.
وطالب اولمرت أعضاء حكومته في اجتماع أمس بتجنب الحديث عن الاقتراح الأميركي الفرنسي المقدم لمجلس الأمن الدولي. وقال للوزراء إن الصمت هو سيد الأحكام وينبغي القول أن الصيغة لم تصل بشكل رسمي وبعد وصولها سنناقشها ونعلن موقفا منها.
من جهته، أبدى رئيس شعبة العمليات في الجيش الجنرال غابي آيزنكوت تقديره بأن هناك حوالى 300 مقاتل لحزب الله في المنطقة الواقعة بين خمسة إلى عشرة كيلومترات من الحدود. وقال إن الجيش يطمح إلى السيطرة العملياتية على هذه المنطقة من أجل القضاء على المخربين. وأضاف أن الجيش سيركز عملياته في الأيام المقبلة على هذه المنطقة. وأكد أنه تم تعزيز القوات الإسرائيلية قبالة الحدود السورية، موضحاً أنه في الأسابيع الأخيرة أرسلت رسائل واضحة للسوريين أنه لا نية لإسرائيل البتة بمهاجمتهم.
وشددت جهات عليا في الجيش على أنه برغم الضوء الأخضر من المستوى السياسي للوصول إلى الليطاني، فإنه من غير المتوقع الوصول إلى عمق مماثل. وتتحدث تقديرات الجيش عن أنه خلال يومين كحد أقصى سيتقرر الإعلان عن وقف النار، وأن عمليات في العمق اللبناني سوف تثقل كثيراً على الجيش الإسرائيلي خاصة إذا لم تصل إلى المنطقة قوات متعددة الجنسيات.
وقال رئيس أركان القيادة الشمالية العميد ألون فريدمان ان الجيش ينتشر على طول قرى الخط الأحمر، وهو الخط الذي انتشرت فيه مواقع الجيش الإسرائيلي قبل الانسحاب عام .2000 وشدد على أن الجيش لم يتجاوزه. وقال إنه برغم الضوء الأخضر من المستوى السياسي ليس من المتوقع دخول قوات كبيرة إلى عمق المنطقة. واعترف أن المشكلة الآن في الجيش الإسرائيلي مشكلة عملياتية، مشدداً على أن الخطة التي تحدثت عن الوصول الى الليطاني لم تكن تستهدف إنهاء سقوط الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية وإنما تقليص عددها ونطاقها.
واعترف فريدمان بأن تجنب الدخول إلى عمق الأراضي اللبنانية نابع من انشغال غالبية القوات المتوفرة بتطهير معاقل حزب الله في القرى حيث تواجه مقاومة شديدة. وقال إن عملية السيطرة على عيتا الشعب تتعرقل بسبب الإمدادات التي يرسلها حزب الله إلى المنطقة.
ولم يستبعد فريدمان احتمال أن يكون الحدث الصعب في كفار جلعادي قد وقع في أعقاب عمليات رصد يقوم بها حزب الله للمنطقة كما ربط بين الصاروخ الذي قتل الجنود والمعارك البرية الجارية حول القرى الحدودية.
وأضاف إن الصواريخ من عيار 120 ميليمتراً التي أطلقت على إسرائيل وصلت من محيط مرجعيون والعيشية. وأشار مصدر عسكري آخر إلى أن الولايات المتحدة سوف تفرض وقف النار على إسرائيل وأنه في الزمن المتبقي لا جدوى من الدخول إلى عمق الأراضي اللبنانية.
وأطلق حزب الله أمس واحدة من أشد صلياته الصاروخية على المستوطنات الشمالية وفي العمق الإسرائيلي. ووصلت هذه الصواريخ إلى حيفا وعلى مقربة من الناصرة. غير أن أشد الصواريخ دموية كانت تلك التي سقطت على كيبوتس كفار جلعادي الذي يستخدم كمركز انطلاق للقوات الإسرائيلية في أحد محاور القتال. وأصاب صاروخان تجمعاً لفصيل قيادي من القوات الاحتياطية للواء المظليين، ضم ما لا يقل عن ثلاثين فرداً حيث سقط 12 ضابطاً وجندياً قتلى. وأصيب ما لا يقل عن 18 فردا آخر بجروح بعضها خطيرة بينهم قائد الفرقة 162 العميد غاي تسور. واعترف ضابط في الشرطة الإسرائيلية بأن هذا أصعب حادث منذ بدء الحرب.
وكانت هذه الوحدة في انتظار الحصول على تعليمات بشأن استيعاب المزيد من القوات الاحتياطية التي صدر القرار بزجها داخل الأراضي اللبنانية لـ تطهير القرى الجنوبية من رجال حزب الله ومواقعه.
وعرضت إسرائيل أمس أمام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش موقفها من مشروع القرار الأميركي الفرنسي. وامتدحت المصادر الإسرائيلية الاقتراح الذي يتقبل المطالب الأساسية لإسرائيل: بقاء الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني ومنع عودة مقاتلي حزب الله للمنطقة حتى وصول القوات الدولية. وتنازلت إسرائيل عن موقفها الرافض إشراك اليونيفيل في الإشراف على وقف النار واستبدالها بقوة جديدة.
وتذمرت جهات إسرائيلية من الموقف الأميركي ورأت أن فرنسا لم تؤد دوراً إيجابياً لأنها تخلت عن مسؤولياتها وخضعت للإرادة الأميركية. وكان بوسع فرنسا أن تحصل من أميركا على موقف أفضل للبنان يتيح التوصل فعلاً إلى قرار مقبول لوقف النار.
وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن التعديلات التي ستجري على الصيغة الأميركية الفرنسية سوف تشير إلى مطلب لبنان بسحب القوات الإسرائيلية فوراً من الأراضي اللبنانية. فمن دون بند مماثل يصعب جداً على لبنان الموافقة على أي قرار لوقف النار.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاسرائيلية ان هذه الوثيقة بمجملها قيمة جداً ويمكن ان تأتي بحل دائم وفاعل للازمة شرط ان يتم قبولها بصيغتها، مضيفاً إنها اشبه بخريطة طريق، بعرض لطريقة عمل ستسمح للأسرة الدولية بالتدخل وللبنان بفرض سيادته على كامل اراضيه، لكن شرط ان تعقب هذا النص بشكل سريع عملية تصويت اخرى حول نشر قوة متعددة الجنسيات في جنوب لبنان.
ونقل موقع يديعوت أحرونوت عن مصادر في مكتب اولمرت إن صيغة مسودة القرار أقرب للموقفين الإسرائيلي والأميركي مقارنة مع موقفي لبنان وفرنسا، معتبرة أن العالم يتبنى التوجه الإسرائيلي. ووصفت المصادر المشروع بأنه جيد أكثر من أن يتمكن الطرف المعادي (اللبناني) من قبوله. ولذلك فإن الفرحة حيال انتهاء الحرب سابقة لأوانها
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد