بين "لحية" و"لحية".. السيارات المفيمة تقض مضاجع سكان اللاذقية وتطعن تضحياتها
قد تعتقد أنك في أحد أفلام "الأكشن"، أو على أقلّ تقديرٍ قد تشعر أنّك في مدينة لوس أنجلس، قد تصل بك الحال أحياناً إلى أن تشعر بأنك بتّ شخصاً ضحيةً لبطل لعبة "GTA"، اللعبة العنيفة التي يتربّى عليها أطفال هذه الأيام، لتستفيق إلى حقيقةٍ غريبة، أنت لازلت في مدينتك، اللاذقية .
مظاهر الخروج عن القانون في المدينة باتت كثيرة، أشخاص مشبوهون اختبؤوا تحت عباءة " بزات مموهة " ، وبات لهم امتيازاتٌ، منحتها لهم الفوضى، تارةً، وبعض المسؤولين المتنفّذين، تارةً أخرى، والسيارات ذات الامتيازات الداكنة، التي تغطّت بـ "الفيميه"، لـ "ترفع" من سويّة راكبيها إلى رتبة "مهمّين"، وتًخفّض من رتبة بقية المواطنين إلى "معتدى عليهم محتملين".
"المهمّون" في اللاذقية تتفاوت أهميّتهم بحسب نوع السيارة التي يركبونها، إلّا أنهم يجتمعون دائماً بأن وجوههم ممنوعةٌ عن المارّة، الذين بات لهم الحريّة في توقّع نوع "الشوفير" الذي يكسر حواجز الصوت عند اجتيازه الشارع، مختبئاً خلف "فيميه" سيارته، ومتعالياً عن القانون أحياناً، بإزالته، حتى لـ "نمرة" سيارته.
المشاة باتت أرواحهم رهنٌ لما قد يخطر ببال هؤلاء "المهمين" من أصحاب "الفيميه"، ومنها حادثٌ وثّقناها، أودى بحياة "محسن عقدة" صاحب فندق الجندول السياحي، الذي دهسته سيارة "مفيمة" بلا نمرة واضحة وهرب سائقها دون تكليف نفسه عناء إسعاف الرجل.
المشاة ليسوا وحدهم المتضررين من هذه الظاهرة، فجميع السيارات المارة في الشارع قد تكون ضحيةً محتملة، أحياناً لاختناقاتٍ مروريةٍ سببها توقّف سيارات "الفيميه" وسط الشارع دون تقيّدٍ بالتعليمات الطرقية، وأحياناً أخرى نتيجة حادثٍ مروري، يسببه تجاوزات هؤلاء.
وكان استبشر سكان المدينة الهادئة التي تستقبل مهجرين من مختلف المحافظات السورية، وتبسط يديها بالعطاء، نزيفاً على جبهات القتال، وأماناً للوافدين، بالمحافظ الجديد خيراً، خصوصا وأنه ومع توليه منصبه شددت الرقابة على السيارات "المفيمة"، وتلك التي تسير بلا لوحات، وكادت تختفي، قبل أن تعود بغزارة كأمطار المدينة هذه السنة.
في شارع 8 آذار وسط اللاذقية تسير سيارة ذات دفع رباعي، نصب "شوفيرها" عليها أضوية كشافة وكأنه في رحلة صيد، أعمى عيون الماردة و السائقين الآخرين وكاد يتسبب بحادثة كبيرة قرب مشفى الأسد الجاهز لاستقبال الحالات الإسعافية، إلا أن القدر تدخل ومنع حدوث الكارثة.
يعرف أبناء المدينة أنه وفي ظروف الحرب قد تتاح بعض الفرص للانتهازيين والمتسقلين، الذين ينتشرون كالطاعون، ولكن ما يستغربونه عدم وجود نية حقيقة لاجتثاث هذه الأمراض الاجتماعية التي حولت بعض شوارع المدينة إلى تلك التي عرفها العالم عن شيكاغو.
كما يعرف السكان جيداً ، ونتيجة تجارب سابقة، أن أمراً حقيقيا بالتخلص من هذه الظاهرة المشوهة للمدينة، والمثيرة للذعر في أزقتها، كفيلاً باجتثاثها، فشوارع المدينة عرضة لانتهاك "مخمور" يختبىء خلف ستار زجاجي معتم، محتميا باسم "البابا المسؤول"، والذي قد يكون هو ذاته لا يعرف ما الذي يفعله "ابنه المدلل".
أبناء اللاذقية يستذكرون بأملٍ، قد لا يكون قريباً، حملةً شهدتها المدينة، خصوصاً بعد العام 2000، نظّفت المدينة من مظاهر الخروج عن القانون، بما فيها ظاهرة "الفيميه" وممارسات المحتمين به، ويدركون أن حملةً مشابهةً، وقراراً جدياً، سيكون كفيلاً بإعادة تنظيف المدينة، وإعادتها آمنةً من تلك الممارسات.
أبناء المدينة التي استقبلت نازحين من شتّى أرجاء الوطن، ممن هجّرتهم "اللحى" من مدنهم، بعد أن نشرت فيها الخراب والدماء، يشعرون بكثيرٍ من الأسف، على حال مدينتهم، التي ودّعت الكثير من أبنائها المخلصين في سبيل الوطن، لينتهي حال أهالي شهدائها وأخوتهم في المدينة، محكومين تحت قبضة "لحىً" من نوعٍ آخر، تقنّعت بالامتيازات السوداء، وجعلت من المدينة بؤرةً للخارجين عن القانون.
اللاذقية بحاجة إلى إعادة هيبة رجل الشرطة، شرطي المرور الذي يكافح الأمطار والعواصف بمختلف مسمياتهما، يقف عاجزاً أمام هذه الظاهرة، كذلك تقف السيدة المسنة تدعي بصمت على سائق "مفيّم طحش بسيارته في حفرة ملئية بالوحل" فبلل وجنتا تلك الستينية، التي قصدت المدينة من قريتها لتكمل أوراق ابنها الشهيد، هناك على جبهات القتال.
المصدر: الخبر
إضافة تعليق جديد