المرأة السورية بين الاقتصاد الوطني والاقتصاد المنزلي

13-04-2009

المرأة السورية بين الاقتصاد الوطني والاقتصاد المنزلي

يقول المفكر العربي ابن رشد في أحد كتبه، وهو الذي عاش قبل ما يناهز الألف عام، بأن سبب تراجع الاقتصاد الوطني للدولة في زمانه كان عدم مشاركة المرأة في الإنتاج الاقتصادي، أما الآن فتشير الإحصائيات إلى أن حضور المرأة الاقتصادي لا يوازي حضورها الحقيقي في المجتمع، كصاحبة عمل، فيما هي تسهم في الاقتصاد كعاملة بشكل ملفت، وهذا ما يخلق فجوة تعود في جذورها ليس إلى أسباب اقتصادية فقط، بل إلى تمييز اجتماعي غير خاف على أحد.

وتبرز أهمية مساهمة المرأة في الاقتصاد أكثر فأكثر عندما نعلم أن الأمن الغذائي مكن سوريا من مواجهة الضغوط الخارجية، وذلك عبر زيادة نسبة اليد العاملة النسائية في سوريا وبخاصة في القطاع العام (وحدات إنتاجية في الريف، صناعة السجاد) حيث يكثر عمل النساء في ميادين مثل (التبغ- النسيج- الصناعات التحويلية والتجميعية والغذائية).
الدكتور منذر خدام، دكتور في قسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة في جامعة تشرين يشير إلى إحصائيات هامة بهذا الخصوص "لقد بلغ عدد سكان سورية في منتصف عام 2008 نحو 19644 ألف نسمة، شكل الذكور منهم نحو51.11% والإناث 48.89%، وقد شكل السكان الحضر ما نسبته 53.51% من مجموع السكان في حين شكل سكان الريف نحو 46.49%، وقد شكلت الإناث ما نسبته 49.10% من مجموع سكان الريف في حين شكل الذكور ما نسبته 50.9%، وبلغ عدد المشتغلين في القطاع الزراعي (15سنة وما فوق) في عام 2007 نحو 946601 فرد منهم نحو82.50% ذكور، و17.5 % إناث. و بالنسبة للعائد في الريف لا توجد معطيات حول العائد الذي تحصل عليه المرأة الريفية مع جهد الرجل بحكم كون الزراعة في سورية هي زراعة فلاحية عائلية".
على أرض الواقع يبدو عدم وجود عائد مهم للمرأة واضحا حيث أن الرجل يمتلك حوالي 95% من الحيازات الزراعية فيما لا تمتلك النساء سوى 5% من الحيازات.
وإذا عرفنا أن 58% من النساء في سورية يعملن في الزراعة، 56% منهن يعملن لدى الأهل دون أجر، وبالنظر إلى أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد زراعي بامتياز، والمرأة هنا تقوم بالعمل في الزراعة بالإضافة إلى العمل في الورش الحرفية الصغيرة والمتوسطة، الخدمة المنزلية والأعمال الحرفية المنزلية، فإن ذلك يعني أن المرأة تساهم بشكل كبير جدا في الاقتصاد السوري، ولكن دون أجر في الغالب!
تعلق السيدة ياسمينة أزهري، ، رئيسة لجنة سيدات الأعمال في اللاذقية، على مقولة أن المرأة نصف المجتمع قائلة" أنا شخصيا ضد هذه المقولة، ولا أجد لها معنى، فهل هذا يتعلق "بالتعداد السكاني"؟ أم بالتواجد في "المجتمعات"؟ أم.......؟ أما بالنسبة لكونها "نصف الاقتصاد فالجواب هو طبعا: لا، على كل، حتى في البلاد المتقدمة و المتحررة فأنا لا أعرف إن كانت المرأة قد أثبتت أو حتى وصلت إلى أن تشكل نصف الاقتصاد، فما بالك في سوريا؟!!"
الدكتور منذر خدام يعتبر أن مشاركة المرأة في الاقتصاد السوري بوجه عام، وفي الريف بشكل خاص أمر طبيعي موضحا أن "الزراعة في سورية هي نمط حياة أكثر من كونها نشاط اقتصادي"، مما يعني أنه بات من الطبيعي أن تعمل المرأة في مزرعة الأسرة دون أن تتوقع أجرا في كثير من الأحيان!
وعلى الرغم من تلك المساهمة المهمة للمرأة في الاقتصاد عموما، وفي الزراعة بشكل خاص، فإن ذلك لا يعني بالضبط مساواتها بالرجل، بل يعتبر ذلك أحيانا مؤشرا للتمييز ضد المرأة، وتحميلها المزيد من المسؤوليات، ومرة أخرى دون عائد، وإن معنوي.
السيدة ياسمينة أزهري، تعبر عن عدم رضاها التام عن مساهمة المرأة في الاقتصاد السوري وتضيف "ولو أنه علينا الاعتراف بالتحسن الملحوظ لهذه النسبة خلال السنوات الأخيرة، والملاحظة الأهم هي دخول المرأة إلى مجالات جديدة كانت ذكورية في السابق، أعتقد أن الظروف الاقتصادية الدولية ستؤثر في الوقت الحالي على مساهمة المرأة السورية في الاقتصاد إذ أنني لا أتوقع تحسنا إضافيا ريثما تنتهي مدتها"
بينما يشير الدكتور منذر إلى أن مساهمة المرأة الهامة تلك هي جزء من نمط حياتها " إن اعتبار أن مساهمة المرأة في العمل مؤشر على وعي المساواة في الحقوق أمر لا يمكن تأكيده، البعض منهن يعمل في الزراعة نظرا لطبيعة نمط الحياة الريفية، ومساهمة في تكوين دخل الأسرة. كما أن المرأة الريفية فضلا عن ذلك فهي المسئولة عن الاقتصاد المنزلي بالدرجة الأولى".
السيدة ياسمينة تعلق على مسألة الترابط بين الاستقلالية الاقتصادية و تحررها من التمييز قائلة "إن وقوع المرأة تحت وطأة النظام العائلي أو الاجتماعي لا يمكن التخلص منه إلا حين يكون لها نوع من الكيان الاقتصادي المستقل الذي يشعرها بالقوة و الأمان لمواجهة ظلمها، وذلك يسهم في إعطائها دفعا نحو تحررها الاجتماعي".
وبإلقاء نظرة على قطاعات الاقتصاد السوري كافة نجد أن عدد الإناث اللواتي يمتلكن صفة "صاحب العمل" لا تتجاوز 2،3% مقابل 7،5% لدى الذكور، فيما من "يعمل لحسابه" تقتصر لديهن على 8،3% مقابل 21،9% عند الذكور، وهذا يعني أن المرأة ما تزال غير قادرة على امتلاك أدوات عملها الخاص و العمل لحسابها إلا في حالات قليلة، وقليلة جدا، رغم أن الدستور و قانون العمل الأساسي أعطياها الحقوق ذاتها لتكون لها ذمتها المالية الخاصة، وعملها الخاص، ولكن ما نراه على أرض الواقع مختلف، حيث أن العادات و التقاليد تجبر المرأة على طلب إذن زوجها قبل البدء بذلك، وفي كثير من الحالات يستخدم الزوج التهديد بالطلاق و بحرمانها من الأولاد سلاحا لمنعها من العمل!
السيدة ياسمينة أزهري ترى أن العوائق الأساسية التي تقف عائقا هي "أولا في العائلة ثم في المجتمع، حيث أن ثقافة عمل المرأة لم تنتشر في جميع المناطق في سوريا، وما ينطبق على اللاذقية (كثقافة عمل في المجتمع) لا ينطبق على جميع المحافظات، بكل أسف العائق الثاني هو مشابه للعائق الذي يواجه الرجل في معظم الأحيان متمثلا في العوائق المادية و صعوبة الوصول إلى تمويل للبدء بمشروع جديد"
حاليا يزداد عدد النساء في غرف الصناعة والتجارة صاحبات المشاريع، كما أنه قد أحدثت مؤخرا لجان سيدات الأعمال وعدد من المؤسسات والهيئات الاقتصادية الخاصة بالمشاريع التي تديرها النساء منها مؤسسة "مورد" و"حاضنة الأعمال" التي توفر الدعم الفني والإداري والمعرفي للمرأة.
و إذا كان انتشار تعليم الإناث قد قلص نسبة النساء العاملات في القطاع الزراعي فإن الدكتور منذر يرى أن ذلك كان لصالح مساهمتهن في قطاعات الاقتصاد الأخرى "خصوصا بالنسبة للحاصلات على التعليم الجامعي، وهذا أمر مفهوم، لكن مع ذلك لا توجد معطيات رقمية حول ذلك".
أما بالنسبة للنساء اللواتي قررن أن يكون لهنّ عمل مستقل فإن السيدة ياسمينة تشرح ظروفهن ومعاناتهن "أشعر أن ثقافة المجتمع تشجع على تمويل الذكور أكثر من الإناث لاعتبارهم مسئولين عن عائلاتهم، ولكن النقطة الإيجابية هي مساواتهم أمام القوانين التي لا تفرق مابين ذكر و أنثى عند طلب التمويل من جهات رسمية و مصارف خاصة، وفي مرحلة لاحقة على المرأة أن تبذل جهدا مضاعفا للحصول على ثقة الجميع و استمرار الدعم لها".
فهل تتصدى النساء اللواتي يسهمن كل الإسهام في الاقتصاد للنضال في سبيل قضاياهن الاجتماعية، و للوصول إلى مراكز صنع القرار الاقتصادي كما هو مكانهن الطبيعي؟
ربما مجال النضال للحصول على ذلك ليس بعيدا كثيرا عن الاقتصاد، فهل تكون البداية من الاقتصاد المنزلي؟

هنادي زحلوط

المصدر: مجلة ثرى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...