اللاأخلاقية في استثمار المشاعر الوطنية

04-05-2006

اللاأخلاقية في استثمار المشاعر الوطنية

الجمل : تصور أن هناك ثمة خللاً في أسرة ما، ينمو يوماً بعد يوم، بحيث يغتصب الأب ابنته، والأم تعذب ابنتها، والأخ يفسد أخاه، والأخت تسرق أختها، وتفتك العائلة بالجيران والأصدقاء، وحتى بالمارين الغرباء. تصور الاحتمالات التي تجعل الإنسان يختار هذا النمط من الحياة، ليصبح طبيعياً واعتيادياً بالنسبة إليه، حيث يعتاد السفالة والنذالة. وإذا حدث أن جاءه أحد الضيوف وسأله عن حال أسرته، فبالتأكيد سوف يسرد هذا الشخص بكل برود كل المساوئ التي تحدث وكأنها شيء طبيعي.
إن حال الاعتراف غير المقصود بالجريمة الفاحشة، أصبح بمثابة الأسلوب الفاشل، الذي تعتمده أمريكا منذ عدة سنوات وإلى الآن. وظل المسؤولون الأمريكيون يفصِّلون السياسات، مفترضين صحتها وأهميتها في تأجيج المشاعر الوطنية في أعماق كل أمريكي. وهكذا أصبح هؤلاء المسؤولين كمن يضمد جرحاً غائراً. ولسوء الحظ، فإن ذلك يشكل غدراً وخيانة لآمال وقيم وتضحيات كل الأجيال السابقة.
في هذا العصر، وفي زمن تصحر المشاعر، فإن مثل هذه الاعترافات غير المقصودة بالجرائم النكراء، التي ربما نمتدحها أو نثني عليها، باعتبارها معجزات ومغامرات نبيلة، تهدف إلى قهر الخصوم والأعداء، ومن جراء التعود في ارتكاب الفظائع على مدى نصف قرن من الزمان بسبب عقدة (الأمن القومي)، فإن الإدارة الأمريكية، إضافة إلى وسائل الإعلام والعوام من المواطنين، سوف يكتشفون قريباً أن السم الذي يتنفسونه مع الهواء، ليس سوى أمر عادي.
وللمرة الثانية هذا الأسبوع، تقوم الواشنطن بوست بنشر الحرب القذرة التي تتضمنها خطة البنتاغون - من خلال فرق الموت، والخطف والجيوش السرية والفتنة والعنف والإرهاب – والتي هي من صميم الفلسفة العسكرية الأمريكية. فليس الدفاع ضد الأعداء المعلنين، ولا ردع الخصوم المحتملين، هو المطلوب، وإنما هو القيام بعمليات عسكرية سرية مستمرة في البلدان «حيث لا تكون الولايات المتحدة داخلة في حال حرب»، وهو أمر يعتبر هذه الأيام من أبرز «أولويات البنتاغون القصوى»، وذلك تبعاً لخطة الحملة الجديدة للحرب العالمية على الإرهاب التي يقوم بتخريجها رامسفيلد.
والشيء الآخر يتمثل في أن الخطة قد أوضحت تماماً بأن رامسفيلد – بغض النظر عن كونه معدياً من الناحية السياسية – (كثيراً ما تصوره وسائل الإعلام بشكل يبعث على السخرية) قد فاق مقامه كل المؤسسات الأمريكية الأخرى ومسؤولي الحكومة الأمريكية، باستثناء ثنائي الطغيان في البيت الأبيض: الرئيس جورج بوش وديك تشيني. إن بارون الحرب في البيت الأبيض (رامسفيلد)، قد تم إعطاؤه تعويضاً تاماً بإرسال 35 ألفاً من الجنود السريين التابعين لقيادة العمليات الخاصة إلى أي بلد يختاره، لكي يقوم بتنفيذ المهمة التي يختارها، دون حاجة لأي موافقة من الكونغرس، أو  أي قيود قانونية، أو ما شابه. وبالتالي يكون دبلوماسيو أمريكا، الذين يمثلونها في الخارج، قد انحدرت مكانتهم، ليصبحوا مجرد وجهاء، مهانين، بسبب "المولود الشرير" الذي ينهش قوانين وسيادة ومواطني الدول المضيفة لهم.
إن "خطة الحملة" تمثل تقنيناً لبرامج استثنائية مخصصة، منحها بوش تدريجياً لرامسفيلد خلال السنوات الماضية، وقد كان من بينها سلسلة من الأوامر التنفيذية الموقعة بعد انتخابات عام 2004، والتي حولت العالم إلى "منطقة حرائق هائلة" للجيوش السرية التابعة للبنتاغون والميليشيات الأجنبية التي تنوب عنها وفي هذا الصدد صرح أحد المسؤولين داخل إدارة الرئيس بوش الحالية قائلاً: «سوف نتعامل مع الأشرار بالسوية نفسها». وقال مسؤول آخر متفاخراً، مقارناً ما كان يحدث الآن مع ما كان يحدث في فترة الرئيس ريجان وبوش الأب: «هل تتذكرون فرق الموت اليمينية في السلفادور؟ لقد وجدناهم وقمنا بتمويلهم.. والهدف الآن يتمثل في القيام بتجنيد السكان المحليين في أي منطقة من العالم، وسوف لن نقوم بإطلاع الكونغرس على ذلك». والمسائل الأكثر أهمية في الخطة، سوف تكون أكثر فظاعة وقسوة. وسوف تكون أسسها: «خذ واخطف. من الذي يجب عليك أن تأخذ منه؟ ثم تحرك بسرعة.. افعل ما تريد..».
على الأرجح، فإن ما ينذر بالشؤم، أن الخطة تتضمن سيلاً وافراً من التحضيرات لتوسيع حرب الإرهاب قدر المستطاع. علماً بأن ما تثيره هذه الإجراءات والعمليات الحربية الجديدة، سوف يكون بمثابة ضربة إرهابية أخرى على الأرض الأمريكية. وما يبعث على الاستغراب، أن فصيل الرئيس بوش يعتبر مثل هذه الأشياء الفظيعة (فرصة). وفي هذا الصدد، أخبر بعض مسؤولي البنتاغون صحيفة الواشنطن بوست: «سوف يقدم ذلك تبريراً من أجل ضرب الدول والجماعات والأفراد المستهدفين أساساً، وفقاً لعدة أسباب سياسية، قائمة على أساس عدم خضوعهم لما يطالب به الرئيس بوش».
ولكن، على الأرجح، لا يمكن اعتبار ذلك هو السبب الوحيد، فعندما كان الدخان المسموم ما يزال يتصاعد من حطام مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من أيلول، أعلن الرئيس بوش، بتهور وطيش: «من خلال دموعي، أرى الفرصة تلوح..». والآن فقط أصبحنا نفهم ونعرف ما رآه آنذاك: فرصة شن غزو طويل الأمد على العراق، رغم أنه يعرف بأن المسببات التي يدعيها لتبرير احتلال العراق كاذبة وزائفة . وقد لاحظ ذلك تايلور دريملر – رجل وكالة المخابرات الأمريكية الأول في أوروبا قبل الحرب على العراق – وقد أخبر دريملر شبكة (سي بي إس) بأن المعلومات الاستخباراتية كانت تأتي فريقه مباشرة من دائرة صدام الداخلية الخاصة، مؤكدة خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل (المعلومات المشار إليها كان يتم تدعيم مصداقيتها بمعلومات إضافية مزدوجة المصادر). ورغم ذلك، فإن دريملر يعلم بأن معلوماته واستنتاجاته لا تعني شيئاً، ولن تغير شيئاً بالنسبة لما يريد البيت الأبيض القيام به في العراق، وذلك لأنهم، في البيت الأبيض، قد قرروا شن الحرب، وأضافوا في إفاداتهم لديملر قائلين بأنهم «في البيت الأبيض يبحثون عن معلومات استخباراتية تدعم توجههم السياسي العسكري ضد العراق».
لاحقاً، تم الكشف عن صيغة الخداع والتضليل في (مذكرات داونينف إستريت) والتي أظهرت كل شيء عندما صدرت عام 2004 .
وما يمكن استنتاجه: أن هذا الدليل الأخير هو أفظع حرب إجرامية يمكن تخيلها (عملية شن حرب عدوانية على أساس تهديد مصطنع وكاذب، على نحو يشبه غزو هتلر لبولندا عام 1939). قامت الإدارة الأمريكية بالتعاون مع وسائل الإعلام بالتشويش، في محاولة منها للتمويه على أقبح أنواع الغدر الإجرامي الذي استشرى في السنوات القليلة الماضية.
ولكن لم تكن هذه هي الفرصة الحقودة التي استغلتها إدارة بوش، ففي أكتوبر 2002 وما بعد، اعتمدت الإدارة الأمريكية عملاً استقصائياً عميقاً، أوكلت مهمة القيام به إلى وليام أركين، الذي قال: «إننا نبحث عن "فرص جريئة" أخرى». والبنتاغون يخطط هذه المرة لـ "تحفيز" الإرهاب عن طريق اختراق الجماعات الإرهابية والميليشيات من أجل "دفعهم" إلى "المزيد من العمل"، مثل ارتكاب أعمال القتل والتدمير، لكي تستخدم ذلك لاحقاً لتبرير شن الهجمات أو لتطوير وتصعيد هجوم السياسة الأمريكية ضد بعض الدول التي تستهدفها أمريكا. وذلك يعطي المبررات لقيام الولايات المتحدة بغزو هذه الدول واحتلالها عسكرياً.
وعلى الأرجح، كان بعض "المتسللين"، الذين بعث بهم رامسفيلد إلى داخل هذه الجماعات "في مركبة واحدة مع الأشرار" الذين قاموا هذه الأيام بتنفيذ الهجمات في الدوحة ومصر. وبالتالي يمكننا القول إن الإدارة الأمريكية برئاسة بوش، سوف تحرص على استمرار العمليات الإرهابية، ليتسنى لها تعزيز وتوطيد عقدة الأمن القومي الأمريكي على نحو غير مسبوق، وذلك بتبادل المنافع بين الإدارة الأمريكية والجماعات الإرهابية المنتشرة في كل أنحاء العالم.
إن "خطة حملة" رامسفيلد في حد ذاتها، تمثل مخططاً دقيقاً لإرهاب الدولة، وتعويضاً مفتوحاً، يخول بانتهاك كل قانون على هذه الأرض، ويؤدي إلى معاناة إنسانية عالمية. والجانب المثير للجدل والغرابة، في هذا البرنامج، يتمثل في أن المعارك والحروب المحتملة، سوف تنتشر مثل العشب في أجهزة الأمن القومي، على نحو يستحيل معه طرح أي سؤال حول أخلاقية أو مشروعية الأفعال التي يتم القيام بها، طالما أن البنتاغون قد أكد أن "الأشرار" يتوجب ضربهم، حتى لو كان ذلك يستلزم القضاء على "آلاف الأبرياء" في "عملية الحرب على الإرهاب" .

 

الجمل : قسم الترجمة
المصدر : غلوبال ريسيرتش
الكاتب: غريس فلويد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...