القمّة الأوروبيّة: اتفاقيّة لخلق ملايين فرص العمل
توصّلت القمة الأوروبية الاستثنائية في بروكسل إلى اتفاق على فرض الصرامة في الموازنات العامة، ومراقبة الأداء الاقتصادي لبلدان الاتحاد الأوروبي، مع تحديد آلية لفرض عقوبات على الدول التي لا تحترم المعايير المحددة، ومنها عدم تجاوز عجز الإنفاق العام سقف الـ3 في المئة. تدخل الاتفاقية حيّز التطبيق بعدما تصدّق عليها 12 دولة فقط، من بين 25 دولة وافقت على مبدأ الاتفاقية، علماً بأن كلاً من بريطانيا وجمهورية التشيك لم توافقا. وتدعم الاتفاقية أيضاً، الحوكمة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، بعدما تخلّت الدول عن بعض صلاحياتها الوطنية لمصلحة الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة ترفضها بريطانيا لأنها لا تريد أي مبادرة من شأنها التأثير على صلاحيات الحكومات الوطنية، وتتخوف أيضاً من أن يؤدّي الوضع الجديد إلى فرض ضريبة على التبادلات المالية على المستوى الأوروبي، بعدما بادر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى فرض تلك الضريبة على مستوى فرنسا كخطوة أولى.
أما في ما يتعلّق بقضية التوظيف، قرر قادة الاتحاد الأوروبي دفع عملية خلق فرص العمل في أوروبا عبر تجنيد سلسلة من الصناديق المالية لتحفيز الشركات المتوسطة على خلق فرص توظيف، وخاصة تلك الموجَّهة إلى قطاع الشباب، بعدما وصلت نسبة البطالة لدى الشباب في أوروبا إلى 25 مليون عاطل من العمل. وستقدّم الصناديق، كصندوق الانسجام الاجتماعي، دعماً مالياً مباشراً للشباب، إلى جانب التزام المفوضية الأوروبية البحث عن مصادر تمويل أخرى تساعد على تنشيط خلق فرص العمل في أوروبا. وفي السياق نفسه، قرّر قادة الاتحاد الأوروبي تجنيد صناديق أوروبية لأن تكون سنداً للمؤسسات المتوسطة، وتكون ضامنة لها في حصولها على قروض من المصارف لدعم الاستثمار؛ وبناءً على ذلك، ستتحول المفوضية الأوروبية إلى مؤسسة ضامنة لدى البنوك لتسهيل حصول الشركات الأوروبية المتوسطة الحجم على التمويل الضروري لها، لتحقيق الاستثمار وخلق فرص عمل، وستشجع المفوضية الشباب على خلق شركاتهم الخاصة.
قادة الاتحاد قرروا في قمة بروكسل تحسين أداء السوق الداخلية عبر إزالة العراقيل التي تعرقل التكامل الاقتصادي بين الدول، على أن تُعَدّ السوق الداخلية إحدى الآليات الداعمة للنمو الاقتصادي في أوروبا، إلى جانب التخفيف من عبء تكاليف فرص العمل لتحسين تنافسية الشركات الأوروبية الداعمة للنمو. تجدر الإشارة إلى أن خلق فرص العمل يكلف مصاريف تكاد لا تُحتمَل في بعض البلدان، بينما تُعَدّ خفيفة في بلدان أخرى كألمانيا. انطلاقاً من ذلك، فإنّ التقليل من أعباء التكاليف المتعلقة بفرص العمل من شأنه أن يحسّن من تنافسية الشركات الأوروبية، الحلقة الأساسية في دفع النمو الاقتصادي عبر الاستثمار وخلق فرص العمل التي بدورها تضمن حلقة الاستهلاك، أساس النشاط الاقتصادي في المجتمع.
والحاجة الملحّة لخلق ملايين فرص العمل الجديدة فرضها واقع كشفت عنه أمس بيانات الاتحاد الأوروبي نفسه؛ إذ كشفت غداة يوم واحد من توقيع الاتفاق الجديد، أن معدل البطالة في منطقة اليورو بلغ أعلى مستوياته منذ طرح العملة الموحدة. وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إن البطالة بين الدول الـ17 الأعضاء في منطقة اليورو ارتفعت إلى 10.4 في المئة في كانون الأول الماضي، وهي النسبة نفسها المعدلة بالزيادة في شهر تشرين الثاني. وأوضح المكتب أنّ هذا هو أعلى معدل للبطالة منذ حزيران 1998 قبل تدشين اليورو في 1999.
القمّة الأوروبية أظهرت مجدداً أنّ بريطانيا خارج المنظومة الأوروبية الموحَّدة، وترفض أيّ عمل أوروبي مشترك في المجال الاقتصادي، إذ إنها لا ترى في الاتحاد الأوروبي إلا سوقاً لمنتجاتها، بينما سياسياً، تقف لندن ضد فكرة تحقيق المزيد من الاندماج الأوروبي، لتبقى تغرّد خارج السرب. أما الموقف التشيكي الرافض للاتفاقية المذكورة، فإن تفسيراته في بروكسل تعيده إلى عدم الاستقرار السياسي الذي تمرّ فيه هذه الدولة، بما أن براغ تعيش أزمة سياسية كل ثلاثة أشهر تقريباً، ما يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية على المدى البعيد.
لخضر فراط
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد