القطـب الشـمالي يـذوب: البشـرية أمـام تحـدّ وجـودي
شهدت السنوات التي تلت العام 1996، انحسار معظم الكتل الجليدية في القطب الشمالي. تقلصت المساحات المغطاة بالثلوج بنسبة خمسة في المئة. انخفض حجم الكتل الجليدية بنسبة 8 في المئة. أدى تحطم البحر الجليدي في العام 2007 إلى ذوبانه بنسبة 4.3 أمتار في الكيلومتر المربع الواحد.
تلك عينة من وقائع خطيرة يشهدها القطب الشمالي نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري التي يتسبب بها ارتفاع مستويات الغازات المنبعثة في الغلاف الجوي، وخصوصاً غاز ثاني أوكسيد الكربون، بنسبة تفوق مرتين المعدل العالمي في مناطق أخرى من الكرة الأرضية.
يتأثر القطب الشمالي بدرجة الحرارة بسبب موقعه الجغرافي بالدرجة الأولى. وبالرغم من أن النظام المناخي يفصل حرارة خط الاستواء عن برودة القطبين الشمالي أو الجنوبي، إلا أن التبادل الحراري في الشمال يخضع لعوامل مختلفة، فالسلاسل الجبلية العالية في أوروبا وآسيا وأميركا، وحجم الأراضي المحيطة بالقطب الشمالي تمنع المحيطات القطبية من الدوران حوله، وبالتالي فهي تتدفق شمالاً وجنوباً في تبادل ضخم للمياه الباردة والدافئة.
تفرض هذه العوامل تأثيراً دراماتيكياً على النظم البيئية في القطب الشمالي، حيث يؤدي أيضاً البياض («الألبيدو»، وهو قياس لمدى قدرة جسم ما على عكس الضوء الموّجه إليه من مصدر ضوئي كالشمس)، الذي يمزج بين الهواء الشمالي والجنوبي، دوراً في الاحتباس الحراري القطبي، ويسارع من ذوبان الثلوج، خصوصاً أن الرياح التي تهب باتجاه الشمال تحمل مواد ملوثة مثل هباب الفحم، الذي ينتج من المداخن في أوروبا وآسيا. كما أن ذوبان الجليد والثلوج ذات اللون الفاتح يؤدي إلى امتصاص أكبر في الحرارة.
وفيما تتلاشى المخازن الجليدية القديمة، وتتآكل سواحل القطب الشمالي، وتتراجع أجزاء من ألاسكا بنسبة 14 مترا سنوياً، تتجه الحياة البشرية في هذه البقعة من العالم إلى الانقراض. كما يؤدي ذوبان الكتل الجليدية إلى ارتفاع مستويات البحار، ما قد يؤدي إلى طوفان المياه القطبية وتعطيلها لاتجاه مجرى مياه المحيطات حول العالم، بالإضافة إلى تفاوت المياه القطبية الحارة والساخنة.
يكمن الخطر البيئي الكبير في انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون وغاز «الميثان» خلال ذوبان الثلوج - تماما كما حصل منذ 55 مليون عام - لترتفع حرارة الأرض نتيجة ذلك بنسبة 5 في المئة خلال آلاف الأعوام الماضية.
قد يؤدي تحول القطب الشمالي المتجمد إلى قطب غير متجمد، إلى دمار هائل على المدى البعيد. ولكن المفارقة تبقى في الاستفادة المحتملة لبعض سكان الكرة الأرضية مما قد ينتج من هذه الكارثة. فبالرغم من أن ذوبان الكتل الجليدية سيقضي على ثقافة «الإسكيمو»، فإن البشرية ستستفيد في المقابل من ثروات الشمال عامة في العقود المقبلة: سيوفر ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند بمقدار 200 غيغا طن من الثلوج سنوياً المياه إلى مليار شخص. كما أن مساحات هائلة من الأراضي ستصبح مناسبة للزراعة، الأمر الذي سيزيد من نمو النباتات بنسبة تبلغ 25 في المئة، بالإضافة إلى الاستحصال السهل على مواد قيّمة أخرى مثل الغاز والنفط والذهب، في وقت بدأ فعلياً إصدار تراخيص للتنقيب عن هذه المعادن في الولايات المتحدة وكندا وروسيا، البلدان التي بدأت بلورة منافسة شرسة على الثروات الضخمة في القطب الشمالي.
في المقابل، لا يمكن إخفاء العواقب الجيوستراتيجية والأثمان الضخمة للتغير البيئي في القطب الشمالي وأهمها احتمال تفكك الممرات التجارية الدولية، واختفاء نظم بيئية نادرة، وصولا الى التلوث البيئي العالمي.
وبالرغم من أن القطب الشمالي لم يعد صعب المنال بالنسبة للبشر المستعدين للانقضاض على ثرواته الكثيرة، يبدو أن طرح السؤال التالي بات ملحاً: هل يمكن التوفيق بين مخاطر التغير البيئي والفرص الاقتصادية التي قد يوفرها في المستقبل؟
السفير نقلاً (عن «ايكونوميست» بتصرّف)
إضافة تعليق جديد