الفقر يستنزف القدرات العقلية

أظهر بحث جديد نشر في مجلة «ساينس» العلمية أن الفقر يمكنه أن يستنزف الموارد العقلية للإنسان. وتبين الدراسة، التي قام بها فريق دولي من الباحثين، مدى التأثير السلبي الذي يلحقه الفقر بوظائف الإدراك لدى الإنسان، حيث يترك مساحة أقل في الدماغ للمهام الأخرى.
وتأتي الدلائل على ذلك من دراستين تم إجراؤهما في الهند والولايات المتحدة، حيث أظهرت بعض البيانات التي جرى جمعها في السابق رابطاً بين الفقر وبين الخلل في اتخاذ القرارات، إلا أن الأسباب الجذرية لذلك الارتباط لم تكن واضحة.
وعمل فريق البحث من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا على تسليط الضوء على ذلك عن طريق عزل العامل المالي عن غيره من العوامل التي قد تتدخل للتأثير في النتائج.
وعمد جزء من الدراسة إلى النظر في الدورة المالية المعتادة لدى مزارعي قصب السكر في الهند التي ترتبط بشكل وثيق بدورة المحاصيل.
وكانت أناندي ماني، الأستاذة في «مركز كيج للفوائد التنافسية في الاقتصاد العالمي» التابع لجامعة «وورويك» البريطانية، قد وضعت بعض الاختبارات التي تجرى على القدرات الإدراكية للمزارعين في كل مرحلة من تلك المراحل. وتوصلت إلى أن قدراتهم العقلية تفاوتت تبعا لمستوى الدخل الذي يحصلون عليه.
وتهدف تلك الدراسة إلى استبعاد بقية العوامل التي قد تحدث إرباكاً في تلك النتائج، كالتغذية والصحة والإرهاق الجسدي والتزامات الأسرة.
وحاول الباحثون أيضا الحد من تأثير العوامل التي لها علاقة بالإجهاد، إلا أنهم قاموا بقياس بعض الشواهد الحيوية مثل مستوى ضغط الدم وضربات القلب.
وحتى يتم التأكد من أن النتائج لم تكن نوعاً ما مرتبطة بمزارعي قصب السكر في الهند فحسب، جرى استكمال إحدى تلك الدراسات الرقابية في الولايات المتحدة.
ودخل في تلك الدراسة مجموعتان إحداهما غنية والأخرى فقيرة، وتحدثت المجموعتان عن بعض الأفكار حول الأوضاع الشخصية المالية. وأجاب المشاركون على أسئلة سهلة وأخرى افتراضية صعبة، ثم خضعوا لاختبارات غير شفهية.
وتقول ماني: «توصلنا إلى أنه عندما تكون الأوضاع سهلة، لا يكون هناك فرق في الأداء بين الأغنياء والفقراء، أما في الأوضاع الأكثر صعوبة، يتردى أداء الفقراء بنسبة كبيرة».
وخلصت الدراسة إلى أن من يعانون من الفقر ويكون لديهم قدر أكبر من المخاوف المالية يشغلون مساحة أكبر من ذهنهم بتلك المخاوف، ومن ثم تكون هناك مساحات أخرى من تفكيرهم مخصصة للقيام بالمهام الأخرى.
واعتبرت كاثلين فو، وهي أستاذة علم السلوكيات في جامعة مينيسوتا، النتائج «عملاً مدهشاً من شأنه أن يحدث تحولاً مستقبلياً في تناول قضية الفقر».
وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الربط بشكل طارئ ما بين الفقر واتخاذ القرارات غير الصائبة.
وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أن الضغط المالي المستمر من شأنه أن يتسبب في إحداث تغيير سلبي يواجه من هم أقل حظاً في المجتمع.
(عن «بي بي سي»)